وَابْن مَاجَه، وَأما أَبُو دَاوُد فَقَالَ: إِن الله حرم، لَيْسَ فِيهِ: وَرَسُوله، وَقد وَقع فِي بعض الْكتب: أَن الله وَرَسُوله حرما، بالتثنية وَهُوَ الْقيَاس، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من طَرِيق اللَّيْث أَيْضا، وَالْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة الأولى، وَوَجهه: أَنه لما كَانَ أَمر الله هُوَ أَمر رَسُوله، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يَأْمر إلاَّ بِمَا أَمر الله بِهِ، كَانَ كَأَن الْأَمر وَاحِد. وَقَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : كَانَ أَصله: حرما، لَكِن تأدب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يجمع بَينه وَبَين اسْم الله تَعَالَى فِي ضمير الْإِثْنَيْنِ، لِأَن هَذَا من نوع مَا رده على الْخَطِيب الَّذِي قَالَ: وَمن يعصهما فقد غوى، فَقَالَ: بئس الْخَطِيب أَنْت. قل: وَمن يعْص الله وَرَسُوله، قَالَ: وَصَارَ هَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {إِن الله برىء من الْمُشْركين وَرَسُوله} (التَّوْبَة: 3) . فِيمَن قَرَأَ بِنصب: رَسُوله، غير أَن الحَدِيث فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير لِأَنَّهُ كَانَ حَقه أَن يقدم: حرم، على: رَسُوله، كَمَا جَاءَ فِي الْآيَة. وَقَالَ شَيخنَا: قد ثَبت فِي (الصَّحِيح) تَثْنِيَة الضَّمِير فِي غير حَدِيث، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَأمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا طَلْحَة فَنَادَى إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: إِن الله، عز وَجل، وَرَسُوله يَنْهَاكُم، بِالْإِفْرَادِ، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا تشهد قَالَ: الْحَمد نستعينه، وَفِيه: من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه. قَوْله: (فَقيل: يَا رَسُول الله!) ، وَفِي رِوَايَة عبد الحميد الْآتِيَة: فَقَالَ رجل. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي عَن شحوم الْميتَة إِلَى قَوْله: (النَّاس) ، أَي: أَخْبرنِي: هَل يحل بيعهَا؟ لِأَن فِيهَا مَنَافِع مقتضية لصِحَّة البيع. قَوْله: (فَقَالَ: لَا) ، أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَبِيعُوهَا (هُوَ حرَام) أَي: بيعهَا حرَام، هَكَذَا فسر بعض الْعلمَاء مِنْهُم الشَّافِعِي، وَمِنْهُم من قَالَ: يحرم الِانْتِفَاع بهَا، فَلَا يجوز الِانْتِفَاع من الْميتَة أصلا عِنْدهم إلاَّ مَا خص بِالدَّلِيلِ: كالجلد إِذا دبغ، وَسُئِلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الحَدِيث عَن ثَلَاثَة أَشْيَاء: الأول: عَن طلي السفن، وَالثَّانِي: عَن دهن الْجُلُود، وَالثَّالِث: عَن الاستصباح، كل ذَلِك بشحوم الْميتَة، وَكَانَ سُؤَالهمْ عَن بيع ذَلِك ظنا مِنْهُم أَن ذَلِك جَائِز لما فِيهِ من الْمَنَافِع، كَمَا جَازَ بيع الْحمر الْأَهْلِيَّة لما فِيهِ من الْمَنَافِع، وَإِن حرم أكلهَا، فظنوا أَن شحوم الْميتَة مثل ذَلِك يحل بيعهَا وشراؤها وَإِن حرم أكلهَا، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ذَلِك لَيْسَ كَالَّذي ظنُّوا، وَأَن بيعهَا حرَام وَثمنهَا حرَام إِذْ كَانَت نَجِسَة، نَظِيره الدَّم وَالْخمر مِمَّا يحرم بيعهَا، وَأكل ثمنهَا، وَأما الاستصباح ودهن السفن والجلود بهَا فَهُوَ بِخِلَاف بيعهَا وَأكل ثمنهَا إِذا كَانَ مَا يدهن بهَا من ذَلِك يغسل بِالْمَاءِ غسل الشَّيْء الَّذِي أَصَابَته النَّجَاسَة فيطهره المَاء، هَذَا قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَجَمَاعَة من الْعلمَاء.
وَمِمَّنْ أجَاز الاستصباح مِمَّا يَقع فِيهِ الْفَأْرَة: عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَالْإِجْمَاع قَائِم على أَنه: لَا يجوز بيع الْميتَة والأصنام لِأَنَّهُ لَا يحل الِانْتِفَاع بهَا وَوضع الثّمن فِيهَا إِضَاعَة مَال، وَقد نهى الشَّارِع عَن إضاعته. قلت: على هَذَا التَّعْلِيل إِذا كسرت الْأَصْنَام وَأمكن الِانْتِفَاع برضاضها جَازَ بيعهَا عِنْد بعض الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَفِيَّة، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الصلبان على هَذَا التَّفْصِيل. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فَإِذا أَجمعُوا على تَحْرِيم بيع الْميتَة فَبيع جيفة الْكَافِر من أهل الْحَرْب كَذَلِك. وَقَالَ شَيخنَا: اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ على أَنه لَا يجوز بيع ميتَة الْآدَمِيّ مُطلقًا، سَوَاء فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر، أما الْمُسلم فلشرفه وفضله، حَتَّى إِنَّه لَا يجوز الِانْتِفَاع بِشَيْء من شعره وَجلده وَجَمِيع أَجْزَائِهِ، وَأما الْكَافِر فَلِأَن نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة لما اقتحم الخَنْدَق وَقتل، غلب الْمُسلمُونَ على جسده، فَأَرَادَ الْمُشْركُونَ أَن يشتروه مِنْهُم، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حَاجَة لنا بجسده وَلَا بِثمنِهِ فخلى بَينهم وَبَينه، ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره من أهل السّير، قَالَ ابْن هِشَام: أعْطوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجسده عشرَة آلَاف دِرْهَم، فِيمَا بَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْمُشْركين أَرَادوا أَن يشتروا جَسَد رجل من الْمُشْركين فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيعهم.
وَمِنْهُم من اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على نَجَاسَة ميتَة الْآدَمِيّ إِذْ هُوَ محرم الْأكل وَلَا ينْتَفع بِهِ. قلت: عُمُوم الحَدِيث مَخْصُوص بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم، فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي جَوَاز بيع كل محرم نجس فِيهِ مَنْفَعَة: كالزبل والعذرة فَمنع من ذَلِك الشَّافِعِي وَمَالك، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ والطبري. وَذهب آخَرُونَ إِلَى إجَازَة ذَلِك من المُشْتَرِي دون البَائِع، وَرَأَوا أَن المُشْتَرِي أعذر من البَائِع لِأَنَّهُ مُضْطَر