أُخْرَى أَن قمرا أَبيض انقض عَلَيْهَا من السَّمَاء وَهِي مُضْطَجِعَة، فَأخْبرت زَوجهَا السَّكْرَان، فَقَالَ: إِن صدقت رُؤْيَاك لم ألبث إلاَّ يَسِيرا حَتَّى أَمُوت وتتزوجيه من بعدِي، فاشتكى من يَوْمه ذَلِك وَلم يلبث إلاَّ قَلِيلا حَتَّى مَاتَ. قَوْله: (وَكَانَت عروسا) الْعَرُوس: نعت يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَعَن الْخَلِيل: رجل عروس وَامْرَأَة عروس وَنسَاء عرائس. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال للرجل عروس كَمَا يُقَال للْمَرْأَة، وَهُوَ اسْم لَهَا عِنْد دُخُول أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَيُقَال: أعرس الرجل فَهُوَ معرس إِذا دخل بامرأته عِنْد بنائها. قَوْله: (فاصطفاها) أَي: أَخذهَا صفيا، والصفي سهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمغنم، كَانَ يَأْخُذهُ من الأَصْل قبل الْقِسْمَة جَارِيَة أَو سِلَاحا، وَقيل: إِنَّمَا سميت صَفِيَّة بذلك لِأَنَّهَا كَانَت صَفِيَّة من غنيمَة خَيْبَر. قَوْله: (سد الروحاء) السد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، والروحاء، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبالمد. مَوضِع قريب من الْمَدِينَة وَفِي (الْمطَالع) : الروحاء من عمل الْفَرْع على نَحْو من أَرْبَعِينَ ميلًا من الْمَدِينَة، وَفِي مُسلم: على سِتَّة وَثَلَاثِينَ، وَفِي كتاب ابْن أبي شيبَة: على ثَلَاثِينَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: الصَّوَاب الصَّهْبَاء بدل سد الروحاء. وَفِي (الْمطَالع) : الصَّهْبَاء من خَيْبَر على رَوْحَة. قَوْله: (حلت) قد فسرناه عَن قريب فِي أول الْبَاب. قَوْله: (فَبنى بهَا) أَي: دخل بهَا، قَالَ ابْن الْأَثِير: الابتناء وَالْبناء: الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الرجل كَانَ إِذا تزوج بِامْرَأَة بنى عَلَيْهَا قبَّة ليدْخل بهَا فِيهَا. فَيُقَال: بنى الرجل على أَهله. قَالَ الْجَوْهَرِي: لَا يُقَال بنى بأَهْله. قَوْله: (حَيْسًا) ، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة. وَهُوَ: أخلاط من التَّمْر والأقط وَالسمن، وَيُقَال: من الثَّمر والسويق، وَيُقَال: من التَّمْر وَالسمن، وَعَن أبي الْوَلِيد، وَلِيمَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، السّمن والأقط وَالثَّمَر. وَفِي لفظ: التَّمْر والسويق. قَوْله: (فِي نطع) ، بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء على الْأَفْصَح، وَقَالَ ابْن التِّين، يُقَال: قطع، بِسُكُون الطَّاء وَفتحهَا: جُلُود تدبغ وَيجمع بَعْضهَا على بعض وتفرش. قَوْله: (آذن من حولك) أَي: أعلمهُ لإشهاد النِّكَاح، وَهُوَ أَمر من: آذن يُؤذن إِيذَانًا، وَالْخطاب لأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَلِيمَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، الْوَلِيمَة: هِيَ الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْعرس. قَوْله: (يحوِّي) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة، وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَقَول أهل اللُّغَة: وَفِي رِوَايَة أبي الْحُسَيْن: يحوى، بِالتَّخْفِيفِ ثلاثي وَهُوَ أَن يُدِير كسَاء فَوق سَنَام الْبَعِير ثمَّ يركبه، والعباءة، مَمْدُود: ضرب من الأكيسة، وَكَذَلِكَ العباء. قَوْله: (فَيَضَع ركبته) إِلَى آخِره، قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت تعظم أَن تجْعَل رجلهَا على ركبته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَانَت تضع ركبتها على ركبته، وَلما أركبها على الْبَعِير وحجبها علم النَّاس أَنَّهَا زَوجته، وَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يَدْرُونَ أَنه تزَوجهَا أم اتخذها أم ولد. وَقَالَ الجاحظ فِي (كتاب الموَالِي) ولد صَفِيَّة مائَة نَبِي وَمِائَة ملك ثمَّ صيرها الله تَعَالَى أمة لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت من سبط هَارُون، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان النوقائي فِي (كتاب المحنة) : إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ الْبناء بصفية استأذنته عَائِشَة أَن تكون فِي المتنقبات، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عَائِشَة إِنَّك لَو رَأَيْتهَا اقشعر جِلْدك من حسنها) فَلَمَّا رأتها حصل لَهَا ذَلِك، وَقيل: حَدِيث اصطفائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصفية يُعَارضهُ حَدِيث أنس أَنَّهَا صَارَت لدحية، فَأَخذهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ سَبْعَة أرؤس، ويروى أَنه أعطَاهُ بِنْتي عَمها عوضا مِنْهَا، ويروى أَنه قَالَ لَهُ: خُذ رَأْسا آخر مَكَانهَا. وَأجِيب: لَا مُعَارضَة، لِأَن أَخذهَا من دحْيَة قبل الْقسم وَمَا عوضه فِيهَا لَيْسَ على جِهَة البيع، وَلَكِن على جِهَة النَّفْل أَو الْهِبَة، غير أَن بعض رُوَاة الحَدِيث فِي الصَّحِيح يَقُولُونَ فِيهِ: إِنَّه ترى صَفِيَّة من دحْيَة، وَبَعْضهمْ يزِيد فِيهِ بعد الْقسم. وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ، وَفِي (حَوَاشِي السّنَن) : الإِمَام إِذا نفل مَا لم يعلم بمقداره لَهُ استرجاعه والتعويض عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِغَيْر عوض، وَإِعْطَاء دحْيَة كَانَ بِرِضَاهُ فَيكون مُعَاوضَة جَارِيَة بِجَارِيَة. فَإِن قلت: الْوَاهِب مَنْهِيّ عَن شِرَاء هِبته. قلت: لم يَهبهُ من مَال نَفسه، وَإِنَّمَا أعطَاهُ من مَال الله، عز وَجل، على جِهَة النّظر كَمَا يُعْطي الإِمَام النَّفْل لأحد من أهل الْجَيْش نظرا.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: أَنه يدل على أَن الِاسْتِبْرَاء أَمَانَة يؤتمن الْمُبْتَاع عَلَيْهَا بِأَن لَا يَطَأهَا حَتَّى تحيض حَيْضَة إِن لم تكن حَامِلا، لِأَن الْحَامِل لَا تُوطأ حَتَّى تضع لِئَلَّا يسْقِي مَاؤُهُ زرع غَيره. وَأجْمع الْفُقَهَاء على أَن حَيْضَة وَاحِدَة بَرَاءَة فِي الرَّحِم إلاَّ أَن مَالِكًا وَاللَّيْث قَالَا: إِن اشْتَرَاهَا فِي أول حَيْضهَا اعْتد بهَا، وَإِن كَانَت فِي آخرهَا لم يعْتد بهَا، وَقَالَ ابْن الْمسيب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015