عَن عَليّ بن حجر بِهِ، وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور وَعَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَعَن عبد الْملك بن شُعَيْب وَعَن يحيى بن أَيُّوب وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم وَعَن كثير بن عبيد وَفِيه وَفِي النعوت عَن هَارُون بن عبد الله.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِنَّا نصيب سيبا) أَي: نجامع الْإِمَاء المسبية، وَنحن نُرِيد أَن نبيعهن فنعزل الذّكر عَن الْفرج وَقت الْإِنْزَال حَتَّى لَا ينزل فِيهِ دفعا لحُصُول الْوَلَد الْمَانِع من البيع، إِذْ أُمَّهَات الْأَوْلَاد حرَام بيعهَا، وَكَيف تحكم فِي الْعَزْل أهوَ جَائِز أم لَا؟ وَاخْتلف فِيهِ أهَلْ كَانُوا أهل كتاب أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ: كَانُوا عَبدة أوثان، وَإِنَّمَا جَازَ وطؤهن قبل نزُول: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122) . وَقَالَ الدَّاودِيّ: كَانُوا أهل كتاب فَلم يحْتَج فِيهِنَّ إِلَى ذكر الْإِسْلَام، وَقَالَ ابْن التِّين: وَالظَّاهِر الأول لقَوْله فِي بعض طرقه: فأصبنا سبيا من سبي الْعَرَب، ثمَّ نقل عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه كَانَ أسر فِي بني المصطلق أَكثر من سَبْعمِائة، وَمِنْهُم جوَيْرِية بنت الْحَارِث أعْتقهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَزَوجهَا، وَلما دخل بهَا سَأَلته فِي الأسرى فوهبهم لَهَا، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (أَو أَنكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِك {؟) على التَّعَجُّب مِنْهُ، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى الْعَزْل. قَوْله: (لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) ، أَي: لَيْسَ عدم الْفِعْل وَاجِبا عَلَيْكُم، وَقَالَ الْمبرد: كلمة: لَا، زَائِدَة أَي: لَا بَأْس عَلَيْكُم فِي فعله، وَأما من لم يجوّز الْعَزْل فَقَالَ: لَا، نفي لما سَأَلُوهُ، و: عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا، كَلَام مُسْتَأْنف مؤكذ لَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ: مَا عَلَيْكُم ضَرَر فِي ترك الْعَزْل، لِأَن كل نفس قدر الله تَعَالَى خلقهَا لَا بُد أَن يخلقها، سَوَاء عزلتم أم لَا؟ قَوْله: (نسمَة) ، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة وَهُوَ كل ذَات روح، وَيُقَال: النَّسمَة النَّفس وَالْإِنْسَان، وَيُرَاد بهَا الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالنَّسَمُ: الْأَرْوَاح، والنسيم: الرّيح الطّيبَة. قَوْله: (إلاَّ هِيَ خَارِجَة) ويروى: إلاَّ وَهِي خَارِجَة، بِالْوَاو أَي: جف الْقَلَم بِمَا يكون.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: السُّؤَال عَن الْعَزْل من الْإِمَاء. وَأجَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن مَا قدر من النَّسمَة يكون، وَفِي حَدِيث النَّسَائِيّ: (سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ: إِن امْرَأَتي مرضع وَأَنا أكره أَن تحمل. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قدر فِي الرَّحِم سَيكون) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر: (أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن لي جَارِيَة أَطُوف عَلَيْهَا وأكره أَن تحمل. فَقَالَ: إعزل عَنْهَا إِن شِئْت فَإِنَّهُ سيأتيها مَا قدر لَهَا) . وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَنهُ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله} إِنَّا كُنَّا نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤودة الصُّغْرَى. فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يخلقه لم تَمنعهُ) . ثمَّ إِن هَذَا السَّبي الْمَذْكُور فِي الحَدِيث كَانَ من سبي هوَازن، وَذَلِكَ يَوْم حنين سنة ثَمَان، لِأَن مُوسَى بن عقبَة روى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن محيريز عَن أبي سعيد، فَقَالَ: أصبْنَا سبيا من سبي هوَازن، وَذَلِكَ يَوْم حنين، سنة ثَمَان. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَمَ مُوسَى بن عقبَة فِي ذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن أبي الوداك عَن أبي سعيد، قَالَ: لما أصبْنَا سبي حنين سَأَلنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ: (لَيْسَ من كل المَاء يكون الْوَلَد) . وروى من حَدِيث ابْن محيريز: قَالَ: دخلت أَنا وَأَبُو الصرمة على أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَسَأَلَهُ أَبُو الصرمة، فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد! هَل سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يذكر الْعَزْل؟ فَقَالَ: نعم، غزونا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَزْوَة المصطلق، فسبينا كرائم الْعَرَب، فطالت علينا الْعزبَة ورغبنا فِي الْفِدَاء، فأردنا أَن نستمتع ونعزل، فَقُلْنَا: نَفْعل وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أظهرنَا لَا نَسْأَلهُ؟ فسألنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: (لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا مَا كتب الله خلق نسمَة هِيَ كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سَتَكُون) . قَوْله: (غَزْوَة المصطلق) ، أَي: بني المصطلق، وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع، قَالَ القَاضِي: قَالَ أهل الحَدِيث: هَذَا أولى من رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة أَنه فِي غَزْوَة أَوْطَاس، وَكَانَت غَزْوَة بني المصطلق فِي سنة سِتّ أَو خمس أَو أَربع. وَفِيه: فِي قَوْله: (فَنحب الْأَثْمَان) ، دلَالَة على عدم جَوَاز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَهُوَ حجَّة على دَاوُد وَغَيره مِمَّن يجوز بيعهنَّ. وَفِيه: إِبَاحَة الْعَزْل عَن الْأمة، قَالَ الرَّافِعِيّ: يجوز الْعَزْل فِي الْأمة قطعا. وَحكى فِي الْبَحْر فِيهِ وَجْهَان، وَأما الزَّوْجَة فَالْأَصَحّ جَوَازه عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَلكنه يكره، وَمِنْهُم من جوزه عِنْد إِذْنهَا وَمنعه عِنْد عَدمه، وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة أَيْضا. وَذكر بعض الْعلمَاء أَرْبَعَة أَقْوَال: الْجَوَاز، وَعَدَمه، وَمذهب مَالك: جَوَازه فِي التَّسَرِّي وَفِي الْحرَّة مَوْقُوف على إِذْنهَا وَإِذن سَيِّدهَا إِن كَانَت للْغَيْر. وَرَابِعهَا: يجوز برضى الْمَوْطُوءَة كَيفَ مَا كَانَت، وَحجَّة من أجَاز حَدِيث جَابر: (كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل، فَبلغ ذَلِك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينهنا) . وَحجَّة من منع أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما سُئِلَ عَنهُ قَالَ: (ذَلِك الوأد الْخَفي) .