الْإِسْنَاد؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: المقامات مُخْتَلفَة، فرواية قُتَيْبَة للْبُخَارِيّ إِنَّمَا كَانَت فِي مقَام بَيَان معنى التحديث، وَرِوَايَة خَالِد فِي مقَام بَيَان طرح الْمَسْأَلَة، فَلهَذَا ذكر البُخَارِيّ فِي كل مَوضِع شَيْخه الَّذِي روى الحَدِيث لَهُ لذَلِك الْأَمر الَّذِي روى لأَجله، مَعَ مَا فِيهِ من التَّأْكِيد وَغَيره. قلت: فِيهِ قائدة أُخْرَى، وَهُوَ التَّنْبِيه على تعدد مشايخه، واتساع رِوَايَته حَتَّى إِنَّه رُبمَا أخرج حَدِيثا وَاحِدًا من شُيُوخ كَثِيرَة.
ثمَّ خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، أَبُو الْهَيْثَم الْقَطوَانِي، بِفَتْح الْقَاف والطاء، البَجلِيّ، مَوْلَاهُم الْكُوفِي. وقطوان مَوضِع بِالْكُوفَةِ. روى عَن مَالك وَسليمَان بن بِلَال وَغَيرهمَا. روى عَنهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وابنا أبي شيبَة وَمُحَمّد ابْن بنْدَار وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن كَرَامَة عَنهُ، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو حَاتِم: لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ يحيى بن معِين: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ من المكثرين فِي محدثي الْكُوفَة، وَهُوَ عِنْدِي، إِن شَاءَ الله، لَا بَأْس بِهِ. وروى الْبَقِيَّة غير أبي دَاوُد عَن رجل عَنهُ، مَاتَ فِي الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَسليمَان هَذَا هُوَ ابْن بِلَال أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال أَبُو أَيُّوب التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، مولى عبد اللَّه بن أبي عَتيق واسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر الصّديق، كَانَ بربرياً جميلاً حسن الْهَيْئَة عَاقِلا مفتياً، ولي خراج الْمَدِينَة، وَتُوفِّي بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة فِي خلَافَة هَارُون الرشيد. وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ ثِقَة. وَعَن يحيى بن معِين: ثِقَة صَالح، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْقِرَاءَة وَالْعرض على الْمُحدث. قَوْله: (على الْمُحدث) يتَعَلَّق بِالْقِرَاءَةِ وَالْعرض كليهمَا، فَهُوَ من بَاب تنَازع العاملين على مَعْمُول وَاحِد.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ قِرَاءَة الشَّيْخ، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَالسَّمَاع عَلَيْهِ، وَهَذِه مُنَاسبَة قَوِيَّة، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين، لما ذكر البُخَارِيّ فِي الْبَاب الأول قِرَاءَة الشَّيْخ، وَهُوَ قَوْله: بَاب قَول الْمُحدث: حَدثنَا وَأخْبرنَا وأنبأنا، عقب بِهَذَا الْبَاب، فَذكر الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَالسَّمَاع عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَاب الْقِرَاءَة وَالْعرض على الْمُحدث، وَكَانَ من حَقه أَن يقدم هَذَا الْبَاب على: بَاب قَول الْمُحدث: حَدثنَا وأنبأنا، لِأَن قَول الْمُحدث: حَدثنَا وأنبأنا فرع عَن تحمله، هَل كَانَ بِالْقِرَاءَةِ أَو بِالْعرضِ، أَو يَقُول: بَاب قِرَاءَة الشَّيْخ، ثمَّ يَقُول: بَاب الْقِرَاءَة على الْمُحدث. قلت: كَلَامه مشْعر بِبَيَان الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبل الْبَاب السَّابِق على هَذَا الْبَاب، وَهُوَ: بَاب قَول الْمُحدث: حَدثنَا وَأخْبرنَا. وَحقّ الْمُنَاسبَة هُوَ الَّذِي يكون بَين الْبَابَيْنِ المتواليين، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَقَوله: وَكَانَ من حَقه ... إِلَخ، لَيْسَ كَذَلِك، بل الَّذِي رتبه هُوَ الْحق، لأَنا قد قُلْنَا: إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق هُوَ قِرَاءَة الشَّيْخ، وَفِي هَذَا الْبَاب الْقِرَاءَة على الشَّيْخ، وَقِرَاءَة الشَّيْخ أقوى، والأقوى يسْتَحق التَّقْدِيم. فَإِن قلت: مَا مَقْصُود البُخَارِيّ من وضع هَذَا الْبَاب المترجم بالترجمة الْمَذْكُورَة؟ قلت: أَرَادَ بِهِ الرَّد على طَائِفَة لَا يعتدون إلاَّ بِمَا يسمع من أَلْفَاظ الْمَشَايِخ دون مَا يقْرَأ لَهُ عَلَيْهِم، وَلِهَذَا قَالَ عقيب الْبَاب: وَرَأى الْحسن وَالثَّوْري وَمَالك الْقِرَاءَة جَائِزَة ... إِلَخ.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين مفهومي الْقِرَاءَة وَالْعرض؟ قلت: الْمَفْهُوم من كَلَام الْكرْمَانِي أَن بَينهمَا مُسَاوَاة، لِأَنَّهُ قَالَ: المُرَاد بِالْعرضِ هُوَ عرض الْقِرَاءَة بِقَرِينَة مَا يذكر بعد التَّرْجَمَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: فعلى هَذَا التَّقْدِير لَا يَصح عطف الْعرض على الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ نَفسهَا. قلت: الْعرض تَفْسِير الْقِرَاءَة، وَمثله يُسمى بالْعَطْف التفسيري، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا غاير بَينهمَا بالْعَطْف لما بَينهمَا من الْعُمُوم وَالْخُصُوص، لِأَن الطَّالِب إِذا قَرَأَ كَانَ أَعم من الْعرض وَمن غَيره، وَلَا يَقع الْعرض إلاَّ بِالْقِرَاءَةِ، لِأَن الْعرض عبارَة عَمَّا يُعَارض بِهِ الطَّالِب أصل شَيْخه مَعَه أَو مَعَ غَيره بِحَضْرَتِهِ، فَهُوَ أخص من الْقِرَاءَة. قلت: هَذَا كَلَام مخبط لِأَنَّهُ تَارَة جعل الْقِرَاءَة أَعم من الْعرض، وَتارَة جعلهَا مُسَاوِيَة لَهُ، لِأَن قَوْله: لِأَن الطَّالِب إِذا قَرَأَ كَانَ أَعم من الْعرض وَمن غَيره، مشْعر بِأَن بَين الْقِرَاءَة وَالْعرض عُمُوما وخصوصاً مُطلقًا لاستلزام صدق أَحدهمَا صدق الآخر، كالإنسان وَالْحَيَوَان،، وَقَوله: وَلَا يَقع الْعرض إلاَّ بِالْقِرَاءَةِ، مشْعر بِأَن بَينهمَا مُسَاوَاة، لِأَنَّهُمَا متلازمان فِي الصدْق كالإنسان والناطق، وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْموضع أَن الْعرض بِالْمَعْنَى الْأَخَص مساوٍ للْقِرَاءَة، وبالمعنى الْأَعَمّ يكون بَينهمَا عُمُوم وخصوص مُطلق لاستلزام صدق أَحدهمَا صدق الآخر، والمستلزم أخص مُطلقًا، وَاللَّازِم أَعم، فالقراءة بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان، وَالْعرض