أَو حُصُول بَيَاض، فَإِنَّهُ مَتى كَانَ المُرَاد بِوَجْه الشّبَه هَذَا كَانَ من بَاب التشابه، وينعكس التَّشْبِيه لعدم اخْتِصَاص وَجه الشّبَه حينئذٍ بِشَيْء من الطَّرفَيْنِ، بِخِلَاف مَا لَو لم يكن وَجه الشّبَه ذَلِك، كالمبالغة فِي الضياء، فَإِنَّهُ لَا يكون من بَاب التشابه، وَلَا مِمَّا ينعكس فِي التَّشْبِيه. قَوْله (على أَهله) خَاص بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجَة، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْإِنْفَاق فِي الْأَمر الْوَاجِب كالصدقة فَلَا شكّ أَن يكون آكِد، وَيلْزم مِنْهُ كَونه صَدَقَة فِي غير الْوَاجِب بِالطَّرِيقِ الأولى.
56 - حدّثنا الحَكَمُ بنُ نافعٍ قَالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدّثني عامِرُ بنُ سَعْدٍ عنْ سَعْدِ بنِ أبي وَقاصٍ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِها وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ عَليْها حتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ..
هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّالِثَة، كَمَا ذكرنَا، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد ذكر فِي بَاب: إِذا لم يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة، وَكَانَ على الاستسلام أَو الْخَوْف من الْقَتْل.
وَالْحكم بِفَتْح الْكَاف: هُوَ أَبُو الْيَمَان الْحِمصِي. وَالزهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: هَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل مَشْهُور، أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا كَمَا ترى، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن يُونُس، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْهِجْرَة عَن يحيى بن قزعة، ثَلَاثَتهمْ عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَفِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَفِي الطِّبّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة، وَفِي الْفَرَائِض عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب أَيْضا، وَعَن الْحميدِي عَن سُفْيَان، خمستهم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْوَصَايَا عَن يحيى بن يحيى عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة وَأبي بكر بن أبي شيبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى كِلَاهُمَا عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْوَصَايَا أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر عَن سُفْيَان بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عُثْمَان بن سُفْيَان عَن سُفْيَان بِهِ، وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِبَعْضِه. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْوَصَايَا عَن هِشَام بن عمار، وَالْحُسَيْن بن الْحسن الْمروزِي، وَسَهل بن أبي سهل بن سهل الرَّازِيّ، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله (إِنَّك) ، إِن: حرف من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ، فالكاف إسمها و: (لن تنْفق) ، خَبَرهَا وَكلمَة: لن، حرف نصب، وَنفي واستقبال، وَفِيه ثَلَاثَة مَذَاهِب: الأول: إِنَّه حرف مقتضب بِرَأْسِهِ، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور. وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَب الْفراء أَن أَصله: لَا، فابدلت النُّون من الْألف، فَصَارَ: لن. وَالثَّالِث: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ. أَن أَصله: لَا إِن، فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَالْألف لالتقاء الساكنين. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِنَّه يُفِيد توكيد النَّفْي، قَالَه فِي (الْكَشَّاف) وَقَالَ فِي (انموذجه) يُفِيد تأييد النَّفْي، ورد بِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيل، وَقَالُوا: لَو كَانَت للتأبيد لِمَ يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي: {لن أكلم الْيَوْم إنسياً} (مَرْيَم: 26) . ولكان ذكر الْأَبَد فِي: {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} (الْبَقَرَة: 95) تَكْرَارا، وَالْأَصْل عَدمه. قَوْله (تنْفق) مَنْصُوب بهَا. وَقَوله (نَفَقَة) نصب على أَنه مفعول مُطلق. قَوْله (تبتغي) ، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي: لن تنْفق، وَالْبَاء فِي: بهَا إِمَّا للمقابلة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (النَّحْل: 32) وَإِمَّا للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن يدْخل أحدكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ) وَإِمَّا للظرفية بِمَعْنى: فِيهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا هَكَذَا لِأَن تبتغي، متعدٍ يُقَال: ابْتَغَيْت الشَّيْء وتبغيته إِذا طلبته، من: بغيت الشَّيْء: طلبته. قَوْله: (وَجه الله) ، كَلَام إضافي مفعول: تبتغي. قَوْله (إِلَّا أجرت) ، بِضَم الْهمزَة، على صِيغَة الْمَجْهُول، والمستثنى مَحْذُوف لِأَن الْفِعْل لَا يَقع اسْتثِْنَاء، وَالتَّقْدِير: لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله تَعَالَى إلاَّ نَفَقَة أجرت بهَا. وَيكون قَوْله أجرت بهَا صفة للمستثنى، وَالْمعْنَى على هَذَا، لِأَن النَّفَقَة الْمَأْجُور فِيهَا هِيَ الَّتِي تكون ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى. لِأَنَّهَا لَو لم تكن لوجه الله تَعَالَى لما كَانَت مأجوراً فِيهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّقْدِير: إلاَّ فِي حَالَة أجرت بهَا، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: أَي: لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله تَعَالَى فِي حَال من الْأَحْوَال إلاَّ وَأَنت فِي حَال مأجوريتك عَلَيْهَا. قلت: لَو قدر هَكَذَا لن تنْفق نَفَقَة لوجه الله تَعَالَى إلاَّ حَال كونك مأجوراً عَلَيْهَا كَانَ أحسن على مَا لَا يخفى. فَإِن قلت: الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل أَو مُنْقَطع؟ قلت: مُتَّصِل، لِأَن الْمُسْتَثْنى من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. قَوْله (بهَا) ، الْبَاء إِمَّا للسَّبَبِيَّة، وَإِمَّا