التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن عُثْمَان وَفِي الصَّوْم عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن وهب عَن مَالك وَيُونُس بِهِ، وَعَن الْحَارِث وَمُحَمّد بن سَلمَة كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، وَفِي الْجِهَاد عَن عبيد الله بن سعد عَن عَمه يَعْقُوب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن) ، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ فِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَخْبرنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف) . قَوْله: (عَن أبي هُرَيْرَة) ، قَالَ أَبُو عمر: اتّفقت الروَاة عَن مَالك على وَصله إلاَّ يحيى ابْن أبي بكير وَعبد الله بن يُوسُف فَإِنَّهُمَا أَرْسلَاهُ، وَلم يَقع عِنْد القعْنبِي أصلا لَا مُسْندًا وَلَا مُرْسلا. وَفِي (التَّلْوِيح) ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (كتاب الموطآت) : أَن القعْنبِي رَوَاهُ كَمَا روى ابْن مُصعب ومعن مُسْندًا. قَوْله: (زَوْجَيْنِ) ، يَعْنِي دينارين أَو دِرْهَمَيْنِ أَو ثَوْبَيْنِ وَقيل: دِينَار وثوب أَو دِرْهَم ودينار، أَو ثوب مَعَ غَيره أَو صَلَاة وَصَوْم، فَيشفع الصَّدَقَة بِأُخْرَى أَو فعل خير بِغَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن أبي مُصعب عَن مَالك: (من أنْفق زَوْجَيْنِ من مَاله) . قَوْله: (فِي سَبِيل الله) قيل: هُوَ الْجِهَاد، وَقيل: مَا هُوَ أَعم مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد بالزوجين انفاق شَيْئَيْنِ من أَي صنف كَانَ من أَصْنَاف المَال. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَالزَّوْج هُنَا الْفَرد، يُقَال للْوَاحِد زوج، وللاثنين زوج. قَالَ تَعَالَى: {فَجعل مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} (الْقِيَامَة: 93) . وَصَوَابه أَن الْإِثْنَيْنِ زوجان يدل عَلَيْهِ الْآيَة. وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس بن عبيد وَحميد عَن الْحسن عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أنْفق زَوْجَيْنِ ابتدرته حجبة الْجنَّة) ، ثمَّ قَالَ: (بعيران شَاتين حِمَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، قَالَ حَمَّاد: أَحْسبهُ قَالَ: خُفَّيْنِ) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (فرسين من خيله، بَعِيرَيْنِ من إبِله) . وروى عَن صعصعة قَالَ: رَأَيْت أَبَا ذَر بالربذة وَهُوَ يَسُوق بَعِيرًا لَهُ عَلَيْهِ مزادتان، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من مُسلم ينْفق زَوْجَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله إلاَّ استقبلته حجبة الْجنَّة كلهم يَدعُوهُ إِلَى مَا عِنْده، قلت: زَوْجَيْنِ مَاذَا؟ قَالَ: إِن كَانَ صَاحب خيل ففرسين، وَإِن كَانَ صَاحب إبل فبعيرين، وَإِن كَانَ صَاحب بقر فبقرتين، حَتَّى عد أَصْنَاف المَال) . وشبيه حَدِيث الْحمانِي ذكره أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن مبارك بن سعيد عَن ابْن المحيريز، يرفعهُ: (من عَال ابْنَتَيْن أَو أُخْتَيْنِ أَو خالتين أَو عمتين أَو جدتين فَهُوَ معي فِي الْجنَّة) . فَإِن قلت: النَّفَقَة إِنَّمَا تشرع فِي الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة، فَكيف تكون فِي بَاب الصَّلَاة وَالصِّيَام؟ قلت: لِأَن نَفَقَة المَال مقترنة بِنَفَقَة الْجِسْم فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا بُد للْمُصَلِّي والصائم من قوت يُقيم رمقه وثوب يستره، وَذَلِكَ من فروض الصَّلَاة، ويستعين بذلك على الطَّاعَة، فقد صَار بذلك منفقا لزوجين: لنَفسِهِ ولماله، وَقد تكون النَّفَقَة فِي بَاب الصَّلَاة أَن يَبْنِي لله مَسْجِدا للمصلين، وَالنَّفقَة فِي الصّيام أَن يفْطر صَائِما، وَذَلِكَ بِدلَالَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) . وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من فطر صَائِما فَكَأَنَّمَا صَامَ يَوْمًا) . فَإِن قلت: إِذا جَازَ اسْتِعْمَال الْجِسْم فِي الطَّاعَة نَفَقَة، فَيجوز أَن يدْخل فِي معنى الحَدِيث: من أنْفق نَفسه فِي سَبِيل الله فاستشهد وَأنْفق كريم مَاله قلت: نعم، بل هُوَ أعظم أجرا من الأول، يُوضحهُ مَا رَوَاهُ سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان (عَن جَابر قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! أَي الْجِهَاد أفضل؟ قَالَ: أَن يعقر جوادك ويهراق دمك) ؟ فَإِن قلت: يدْخل فِي ذَلِك صَائِم رَمَضَان الْمُزَكي لمَاله والمؤدي الْفَرَائِض؟ قلت: المُرَاد: النَّوَافِل، لِأَن الْوَاجِبَات لَا بُد مِنْهَا لجَمِيع الْمُسلمين، وَمن ترك شَيْئا من الْوَاجِبَات إِنَّمَا يخَاف عَلَيْهِ أَن يُنَادى من أَبْوَاب جَهَنَّم. قَوْله: (نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة) ، المُرَاد من هَذِه الْأَبْوَاب غير الْأَبْوَاب الثَّمَانِية، وَقَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد، كَذَا قَالَ من أَبْوَاب الْجنَّة، وَذكره أَبُو دَاوُد وَأَبُو عبد الرَّحْمَن وَابْن سنجر: (فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية) ، وَلَيْسَ فِيهَا ذكر: من، وَقَالَ ابْن بطال: لَا يَصح دُخُول الْمُؤمن إلاَّ من بَاب وَاحِد، ونداؤه مِنْهَا كلهَا إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الْإِكْرَام والتخيير لَهُ فِي دُخُوله من أَيهَا شَاءَ. قَوْله: (هَذَا خير) ، لَفْظَة خير لَيْسَ من أفعل التَّفْضِيل، بل مَعْنَاهُ هُوَ خير من الْخيرَات، والتنوين فِيهِ للتعظيم، وَفَائِدَة هَذَا الْإِخْبَار بَيَان تَعْظِيمه. قَوْله: (دعِي من بَاب الصَّلَاة) ، أَي: المكثرين لصَلَاة التَّطَوُّع، وَكَذَا غَيرهَا من أَعمال الْبر، وَقد ذكرنَا الْآن أَن الْوَاجِبَات لَا بُد مِنْهَا لجَمِيع الْمُسلمين. قَوْله: (من بَاب الصَّدَقَة) ، أَي: من الْغَالِب عَلَيْهِ ذَلِك، وإلاَّ فَكل الْمُؤمنِينَ أهل للْكُلّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه التّكْرَار حَيْثُ ذكر الْإِنْفَاق فِي صدر الْكَلَام