مهَاجر عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: سمعته يَقُول: يُؤَدِّي الرجل الْمُسلم عَن مَمْلُوكه النَّصْرَانِي صَدَقَة الْفطر، حَدثنَا عبد الله ابْن دَاوُد عَن الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: بَلغنِي عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُعْطي عَن مَمْلُوكه النَّصْرَانِي صَدَقَة الْفطر، وروى عَن إِبْرَاهِيم مثله، وَالْجَوَاب عَن قَوْله: (من الْمُسلمين) أَن مَعْنَاهُ من يلْزمه إِخْرَاج الزَّكَاة عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَلَا يكون إلاَّ مُسلما. وَأما العَبْد فَلَا يلْزمه فِي نَفسه زَكَاة الْفطر، وَإِنَّمَا يلْزم مَوْلَاهُ الْمُسلم عَنهُ. وَجَوَاب آخر: مَا قَالَه ابْن بزيزة، وَهُوَ: إِن قَوْله: (من الْمُسلمين) زِيَادَة مضطربة من غير شكّ من جِهَة الْإِسْنَاد، وَالْمعْنَى: لِأَن ابْن عمر رَاوِيه كَانَ من مذْهبه إِخْرَاج الزَّكَاة عَن العَبْد الْكَافِر، والراوي إِذا خَالف مَا رَوَاهُ كَانَ تضعيفا لروايته. وَجَوَاب آخر: أَن فِي صَدَقَة الْفطر نصان: أَحدهمَا: جعل الرَّأْس الْمُطلق سَببا، وَهُوَ الرِّوَايَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا: من الْمُسلمين. وَالْآخر: جعل الرَّأْس الْمُسلم سَببا، وَلَا تنَافِي فِي الْأَسْبَاب كَمَا عرف كالملك يبث بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة وَالصَّدَََقَة وَالْإِرْث فَإِذا امْتنعت المزاجمة وَجب الْجمع بإجراء كل وَاحِد من الْمُطلق والمقيد على سنَنه من غير حمل أَحدهمَا على الآخر، فَيجب أَدَاء صَدَقَة الْفطر عَن العَبْد الْكَافِر بِالنَّصِّ الْمُطلق وَعَن الْمُسلم بالمقيد. فَإِن قلت: إِذا لم يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد أدّى إِلَى إِلْغَاء الْمُقَيد، فَإِن حكمه يفهم من الْمُطلق، فَإِن حكم العَبْد الْمُسلم يُسْتَفَاد من إِطْلَاق إسم العَبْد فَلم يبْق لذكر الْمُقَيد فَائِدَة؟ قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل فِيهِ فَوَائِد، وَهِي: أَن يكون الْمُقَيد دَلِيلا على الِاسْتِحْبَاب وَالْفضل، أَو على أَنه عَزِيمَة وَالْمُطلق رخصَة، أَو على أَنه أهم وأشرف حَيْثُ نَص عَلَيْهِ بعد دُخُوله تَحت الِاسْم الْمُطلق، كتخصيص صَلَاة الْوُسْطَى وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فِي مُطلق الصَّلَوَات، ودخولهما فِي مُطلق اسْم الْمَلَائِكَة، وَقد أمكن الْعَمَل بهما. وَاحْتِمَال الْفَائِدَة قَائِم لَا يجوز إبِْطَال صفة الْإِطْلَاق.

السَّادِس: قَوْله: (وَأمر بهَا أَن تُؤَدّى قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة) ، وَهَذَا أَمر اسْتِحْبَاب، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالقَاسِم وَأبي نَضرة وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالْحكم بن عُيَيْنَة ومُوسَى بن وردان وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأهل الْكُوفَة، وَلم يحك فِيهِ خلاف، وَحكى الْخطابِيّ الْإِجْمَاع فِيهِ، وَقَالَ ابْن حزم: الْأَمر فِيهِ للْوُجُوب فَيحرم تَأْخِيرهَا عَن ذَلِك الْوَقْت.

17 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى العَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر على العَبْد، فَظَاهر هَذِه التَّرْجَمَة أَنه كَانَ يرى وُجُوبهَا على العَبْد وَإِن كَانَ سَيّده يتحملها عَنهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: العَبْد لَا يملك المَال، فَكيف يجب عَلَيْهِ شَيْء؟ قلت: أوجبت طَائِفَة على نفس العَبْد وعَلى السَّيِّد تَمْكِينه من كسبها كتمكينه من صَلَاة الْفَرْض وَالْجُمُعَة على سَيّده عَنهُ، ثمَّ افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن، فَقَالَت طَائِفَة: على السَّيِّد ابْتِدَاء، وَكلمَة: على، بِمَعْنى: عَن، وحروف الْجَرّ يقوم بَعْضهَا مقَام بعض، وَقَالَ آخَرُونَ: تجب على العَبْد، ثمَّ يحملهَا سَيّده عَنهُ. فَكَلمهُ الاستعلاء جَارِيَة على ظَاهرهَا.

4051 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ تَمر أوْ صَاعا مِن شَعِيرٍ عَلى كُلِّ حُرٍّ أوْ عَبْدٍ ذَكرٍ أوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمينَ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو عبد. .) إِلَى آخِره، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَإِنَّمَا ذكره هُنَا لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَنه رَوَاهُ هَهُنَا: عَن عبد الله بن يُوسُف، وَهُنَاكَ: عَن يحيى بن مُحَمَّد، وَالْآخر لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة لينبه على أَنه مِمَّن يرى وُجُوبهَا على العَبْد. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْمَذْكُورَات جَاءَت مزدوجة على التضاد للاستيعاب لَا للتخصيص، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فرض على جَمِيع الْمُسلمين، وَأما كَونهَا فيمَ وَجَبت؟ وعَلى من وَجَبت؟ فَيعلم من نُصُوص أُخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015