الْكَجِّي فِي (السّنَن) من طَرِيق مُحَمَّد بن جحادة وَغَيره: (عَن الْمُغيرَة بن عبد الله الْيَشْكُرِي أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: انْطَلَقت إِلَى الْكُوفَة فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا رجل من قيس يُقَال لَهُ: ابْن المنتفق، وَهُوَ يَقُول: وصف لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فطلبته فَلَقِيته بِعَرَفَات، فتزاحمت عَلَيْهِ فَقيل لي: إِلَيْك عَنهُ، فَقَالَ: دعوا الرجل أرب مَاله. قَالَ: فزاحمتهم عَلَيْهِ حَتَّى خلصت إِلَيْهِ فَأخذت بِخِطَام رَاحِلَته، فَمَا غير عَليّ قَالَ: شَيْئَانِ أَسأَلك عَنْهُمَا: مَا ينجيني من النَّار؟ وَمَا يدخلني الْجنَّة؟ قَالَ: فَنظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ أقبل عَليّ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: لَئِن كنت أوجزت الْمقَالة لقد أعظمت وطولت، فاعقل عَليّ: أعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا، وأقم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة، وأدِّ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وصم رَمَضَان) . وَزعم الصريفيني أَن اسْم ابْن المنتفق هَذَا: لَقِيط بن صبرَة وَافد بني المنتفق، ثمَّ قَالَ: وَقد يُؤْخَذ من هَذِه الرِّوَايَة أَن السَّائِل فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هُوَ السَّائِل فِي حَدِيث أبي أَيُّوب. انْتهى. قلت: قَالَ هَذَا الْقَائِل قبل هَذَا: لَا مَانع من تعدد الْقِصَّة، وَلَا يلْزم من المشابهة بَين سِيَاق الْحَدِيثين أَن يكون فيهمَا السَّائِل وَاحِدًا. قَوْله: (وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: (وتصوم رَمَضَان) ، زَاد هَذَا فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن الظَّاهِر أَنه قد فرض وَلم يذكر الْحَج لِأَنَّهُ لم يفْرض حِينَئِذٍ، وَلَا الْجِهَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض على الْأَعْرَاب. قَالَ الدَّاودِيّ: قَالَ النَّوَوِيّ: وَاعْلَم أَنه لم يَأْتِ فِي هَذَا الْحَج وَلَا جَاءَ ذكره فِي حَدِيث جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَكَذَا غير هَذَا من هَذِه الْأَحَادِيث لم يذكر فِي بَعْضهَا الصَّوْم، وَلم يذكر فِي بَعْضهَا الزَّكَاة. وَذكر فِي بَعْضهَا صلَة الرَّحِم، وَفِي بَعْضهَا أَدَاء الْخمس، وَلم يَقع فِي بَعْضهَا ذكر الْإِيمَان فتفاوتت هَذِه الْأَحَادِيث فِي عدد خِصَال الْإِيمَان زِيَادَة ونقصانا وإثباتا وحذفا، وَقد أجَاب القَاضِي عِيَاض وَغَيره عَنْهَا بِجَوَاب لخصه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا باخْتلَاف صادر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هُوَ من تفَاوت الروَاة فِي الْحِفْظ والضبط، فَمنهمْ من قصر فاقتصر على مَا حفظه فأداه وَلم يتَعَرَّض لما زَاد غَيره بِنَفْي وَلَا إِثْبَات، وَإِن كَانَ اقْتِصَاره على ذَلِك يشْعر بِأَنَّهُ الْكل، فقد بَان بِمَا أَتَى بِهِ غَيره من التَّفَاوُت أَن ذَلِك لَيْسَ بِالْكُلِّ، وَأَن اقْتِصَاره عَلَيْهِ كَانَ لقُصُور حفظه عَن تَمَامه، وَلم ذكر النَّوَوِيّ هَذَا استحسنه، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: إِن رَوَاهُ هَذِه الْأَحَادِيث مُتعَدِّدَة، وكل مَا روى وَاحِد مِنْهُم بِزِيَادَة على مَا رَوَاهُ غَيره أَو بِنَقص لم يكن بتقصير الرَّاوِي، وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف الْموقع وَاخْتِلَاف الزَّمَان. قَوْله: (لَا أَزِيد على هَذَا) أَي: عَن الْفَرَائِض أَو أكتفي بِهِ عَن النَّوَافِل، أَو يكون المُرَاد: لَا أَزِيد على مَا سَمِعت مِنْك فِي أدائي لقومي، لِأَنَّهُ كَانَ وافدهم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا أَزِيد فِي الْفَرَائِض وَلَا أنقص كَمَا فعل أهل الْكتاب. قَوْله: (فَلَمَّا ولَّى) أَي: أدبر. قَوْله: (من سره. .) إِلَى آخِره، الظَّاهِر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَنه يُوفي بِمَا الْتزم، وَأَنه يَدُوم على ذَلِك وَيدخل الْجنَّة، فَإِن قيل: المبشرون بِالْجنَّةِ معدودون بِالْعشرَةِ، وَبِهَذَا يُزَاد عَلَيْهِم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص عَلَيْهِ أَنه من أهل الْجنَّة. وَأجِيب: بِأَن التَّنْصِيص على الْعدَد لَا يُنَافِي الزِّيَادَة، وَقد ورد أَيْضا فِي حق كثير مثل ذَلِك، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحسن وَالْحُسَيْن وأزواجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: الْعشْرَة بشروا بِالْجنَّةِ دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يُنَافِي المتفرق.
وَفِيه من الْفَوَائِد: جَوَاز قَول: جَاءَ رَمَضَان وَذهب رَمَضَان، خلافًا لمن منع من مثل ذَلِك لزعمه بِأَن رَمَضَان اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصلى وزكى وَصَامَ وَحج إِن اسْتَطَاعَ دخل الْجنَّة. وَفِيه: سُؤال من لَا يعلم عَمَّن يعلم عَن الْعَمَل الَّذِي يكون سَببا لدُخُول الْجنَّة. وَفِيه: وجوب السُّؤَال عَن أُمُور الدّين. وَفِيه: الْبشَارَة والتبشير لِلْمُؤمنِ الَّذِي يُؤَدِّي الْوَاجِبَات بِدُخُول الْجنَّة.
حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي حَيَّانَ قَالَ أخبرَنِي أبُو زُرْعَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهاذَا
يحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَأَبُو حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، كنيته، يحيى بن سعيد بن حَيَّان التَّيْمِيّ الْمَذْكُور آنِفا ذكره ثمَّة باسمه وَهنا بكنيته، وَهَذَا الطَّرِيق مُرْسل لِأَن أَبَا زرْعَة تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَقُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ بطرِيق الْإِرْسَال. وَفِي (التَّلْوِيح) : كَذَا فِي هَذِه النّسخ، وَكَذَا ذكره صاحبا (المستخرجين) والْحميدِي فِي (جمعه) وَفِي أصل الْعِزّ الْحَرَّانِي: أَبُو زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَزعم الجياني أَنه وَقع تَخْلِيط وَوهم فِي رِوَايَة أبي أَحْمد، كَانَ عِنْده عَفَّان حَدثنَا وهيب عَن يحيى بن سعيد بن حَيَّان، أَو عَن يحيى بن سعيد عَن أبي حَيَّان عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ خطأ إِنَّمَا