وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأما مَا رَوَاهُ بَعضهم بِكَسْر الرَّاء وتنوين الْبَاء، وَمَعْنَاهُ: هُوَ أرب، أَي: صَادِق فطن، فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ عِنْد أهل الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة: (قَالَ النَّاس: مَاله مَاله؟ فَقَالَ النَّبِي تصلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرب مَاله) و: مَا، صلَة أَي حَاجَة مَا أَو أَمر مَاله. انْتهى. قلت: لهَذِهِ الْمَادَّة معَان كَثِيرَة: الأرب، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء: الْعُضْو، كَمَا فِي الحَدِيث: (أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة آرَاب) . وَهُوَ جمع أرب، وَجَاء على أرؤب، والأرب أَيْضا الدهاء، وَيُقَال: هُوَ ذُو أرب أَي: ذُو عقل، وَمِنْه: الأريب، وَهُوَ الْعَاقِل، والأرب أَيْضا: الْحَاجة وَفِيه لُغَات: أرب وأربة وأرب ومأربة، تَقول مِنْهُ: أرب الرجل بِالْكَسْرِ يأرب بِالْفَتْح أربا، وَيُقَال: أرب الدَّهْر إِذا اشْتَدَّ، وأرب الرجل إِذا تساقطت أعضاؤه، وأرب بالشَّيْء درب بِهِ وَصَارَ بَصيرًا فِيهِ فَهُوَ أرب، والأربة بِالضَّمِّ: الْعقْدَة، والإربة بِالْكَسْرِ الْمَعْتُوه، قَالَ تَعَالَى: {غير أولي الإربة} (النُّور: 13) . قَالَ سعيد بن جُبَير: هُوَ الْمَعْتُوه، وتأريب الْعقْدَة إحكامها وَمِنْه يُقَال: أرب عقدتك، أَي: أحكمها، وتأريب الشَّيْء أَيْضا توفيره، وكل موفر مؤرب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التأرب التشدد فِي الشَّيْء، وأربت على الْقَوْم أَي: فزت عَلَيْهِم، والأرب، بِالضَّمِّ صغَار الْغنم حِين تولد. قَوْله: (تعبد الله) أَي: توحده، وَفَسرهُ بقوله: (وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إلاَّ ليعبدون} (الذاريات: 65) . أَي: ليوحدوني، وَالتَّحْقِيق هُنَا أَن الْعِبَادَة الطَّاعَة مَعَ خضوع، فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْعبَادَة هُنَا معرفَة الله تَعَالَى، وَالْإِقْرَار بوحدانيته، فعلى هَذَا يكون عطف الصَّلَاة وَعطف مَا بعْدهَا عَلَيْهَا لإدخالها فِي الْإِسْلَام، وَأَنَّهَا لم تكن دخلت فِي الْعِبَادَة، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْعبَادَة الطَّاعَة مُطلقًا، فَيدْخل جَمِيع وظائف الْإِسْلَام فِيهَا. فعلى هَذَا يكون عطف الصَّلَاة وَغَيرهَا من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، تَنْبِيها على شرفه ومزيته، وَإِنَّمَا ذكر قَوْله: (وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) بعد الْعِبَادَة لِأَن الْكفَّار كَانُوا يعبدونه سُبْحَانَهُ فِي الصُّورَة ويعبدون مَعَه أوثانا يَزْعمُونَ أَنَّهَا شُرَكَاء فنفى هَذَا. قَوْله: (وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} (النِّسَاء: 301) . وَقد جَاءَ فِي أَحَادِيث وصفهَا بالمكتوبة، كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إلاَّ الْمَكْتُوبَة) ، و (أفضل الصَّلَاة بعد الْمَكْتُوبَة صَلَاة اللَّيْل) ، و (خمس صلوَات كتبهن الله) ، وَمعنى: إِقَامَة الصَّلَاة إدامتها والمحافظة عَلَيْهَا، وَقيل: إِتْمَامهَا على وَجههَا. قَوْله: (وَتصل الرَّحِم) ، من وصل يصل صلَة، وصلَة الرَّحِم مُشَاركَة ذَوي الْقَرَابَة فِي الْخيرَات، وَإِنَّمَا خص هَذَا من بَين سَائِر وَاجِبَات الدّين نظرا إِلَى حَال السَّائِل، كَأَنَّهُ كَانَ قطاعا للرحم مبيحا لذَلِك، فَأمره بِهِ لِأَنَّهُ هُوَ المهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فَإِن قيل: قد علم بسؤال الرجل أَن لَهُ حَاجَة، فَمَا الْفَائِدَة فِي قَوْله: لَهُ حَاجَة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَهُ حَاجَة مهمة مفيدة جَاءَت بِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا لم يُخْبِرهُمْ بالتطوع لأَنهم كَانُوا حَدِيثي عهد بِالْإِسْلَامِ، فَاكْتفى مِنْهُم بِفعل مَا وَجب عَلَيْهِم للتَّخْفِيف، وَلِئَلَّا يعتقدوا أَن التطوعات وَاجِبَة، فتركهم إِلَى أَن تَنْشَرِح صُدُورهمْ لَهَا فتسهل عَلَيْهِم.
وَقَالَ بَهْزٌ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ وأبُوهُ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الله أنَّهُمَا سَمِعَا مُوسى بنَ طَلْحَةَ عنْ أبِي أيُّوبَ بِهاذَا. قَالَ أبُو عَبْدِ الله أخْشَى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إنَّمَا هُوَ عَمْرٌ
وبهز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره زَاي: ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْأسود الْبَصْرِيّ، مر فِي: بَاب الْغسْل بالصاع. قَوْله: شُعْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن عمر: عَن شُعْبَة قَالَ حَدثنَا ابْن عُثْمَان، كَمَا مر. وَقد أوضح شُعْبَة فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَلكنه وهم فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان، وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أخْشَى أَن يكون مُحَمَّد غير مَحْفُوظ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِن شُعْبَة وهم فِي اسْم ابْن عُثْمَان بن موهب فَسَماهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن عُثْمَان، والْحَدِيث مَحْفُوظ عَنهُ، حدث بِهِ عَنهُ يحيى بن سعيد الْقطَّان وَمُحَمّد بن عبيد وَإِسْحَاق الْأَزْرَق وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو نعيم ومروان الْفَزارِيّ وَغَيرهم عَن عَمْرو بن عُثْمَان، وَقَالَ الكلاباذي: روى شُعْبَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان وَوهم فِي اسْمه فَقَالَ: مُحَمَّد بن عُثْمَان، فِي أول كتاب الزَّكَاة، وَقَالَ الغساني: هَذَا مِمَّا عد على شُعْبَة أَنه وهم فِيهِ حَيْثُ قَالَ: مُحَمَّد بدل عَمْرو، وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة شُعْبَة فِي (كتاب الْأَدَب) فَقَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن حَدثنَا بهز حَدثنَا شُعْبَة