قَالَ: ولينصر الرجل أَخَاهُ ظَالِما أَو مَظْلُوما، إِن كَانَ ظَالِما فلينهه فَإِنَّهُ لَهُ نصْرَة، وَإِن كَانَ مَظْلُوما فلينصره) . وَعَن سهل ابْن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ من حمى مُؤمنا عَن مُنَافِق، إراه قَالَ: بعث الله ملكا يحمي لَحْمه يَوْم الْقِيَامَة من نَار جَهَنَّم) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنتقمن من الظَّالِم فِي عاجله وآجله، ولأنتقمن من رأى مَظْلُوما فَقدر أَن ينصره فَلم يفعل) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي (كتاب التوبيخ) .
الْوَجْه الْخَامِس: فِي إبرار الْقسم، وَهُوَ خَاص فِيمَا يحل وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَإِن ترَتّب على تَركه مصلحَة فَلَا، وَلِهَذَا قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة تَعْبِير الرُّؤْيَا: (لَا تقسم، حِين قَالَ: أَقْسَمت عَلَيْك يَا رَسُول الله لتخبرني بِالَّذِي أصبت) .
الْوَجْه السَّادِس: فِي رد السَّلَام، هُوَ فرض على الْكِفَايَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : رد السَّلَام فرض على الْكِفَايَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَعند الْكُوفِيّين فرض عين كل وَاحِد من الْجَمَاعَة. وَقَالَ صَاحب (المعونة) : الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ سنة ورده آكِد من ابْتِدَائه، وَأقله: السَّلَام عَلَيْكُم. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: رد السَّلَام فَرِيضَة على كل من سمع السَّلَام، إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَالتَّسْلِيم سنة وَالرَّدّ فَرِيضَة، وثواب الْمُسلم أَكثر، وَلَا يَصح الرَّد حَتَّى يسمعهُ الْمُسلم إلاَّ أَن يكون أَصمّ فَيَنْبَغِي أَن يرد عَلَيْهِ بتحريك شَفَتَيْه، وَكَذَلِكَ: تشميت الْعَاطِس، وَلَو سلم على جمَاعَة وَفِيهِمْ صبي فَرد الصَّبِي إِن كَانَ لَا يعقل لَا يَصح، وَإِن كَانَ يعقل هَل يَصح؟ فِيهِ اخْتِلَاف، وَيجب على الْمَرْأَة رد سَلام الرجل وَلَا ترفع صَوتهَا لِأَن صَوتهَا عَورَة، وَإِن سلمت عَلَيْهِ فَإِن كَانَت عجوزا رد عَلَيْهَا، وَإِن كَانَت شَابة رد فِي نَفسه، وعَلى هَذَا التَّفْصِيل تشميت الرجل الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يجب رد سَلام السَّائِل، وَلَا يَنْبَغِي أَن يسلم على من يقْرَأ الْقُرْآن، فَإِن سلم عَلَيْهِ يجب الرَّد عَلَيْهِ.
الْوَجْه السَّابِع: فِي تشميت الْعَاطِس، وَهُوَ أَن يَقُول: يَرْحَمك الله، إِذا حمد الْعَاطِس، وَيرد الْعَاطِس بقوله: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَن رجلا عطس بِحَضْرَتِهِ فَلم يحمد، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ يَقُول إِذا عطست؟ قَالَ: الْحَمد لله، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمك الله، وَجَوَابه كِفَايَة، خلافًا لبَعض الْمَالِكِيَّة. قَالَ مَالك: وَمن عطس فِي الصَّلَاة حمد فِي نَفسه، وَخَالفهُ سَحْنُون فَقَالَ: وَلَا فِي نَفسه. وَقد ذكرنَا حكمه الْآن، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ حكم السَّبْعَة الَّتِي أَمر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأما السَّبْعَة الَّتِي نَهَانَا عَنْهَا: فأولها: آنِية الْفضة، وَالنَّهْي فِيهِ تَحْرِيم، وَكَذَلِكَ الْآنِية الذَّهَب بل هِيَ أَشد، قَالَ أَصْحَابنَا: لَا يجوز اسْتِعْمَاله آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة للرِّجَال وَالنِّسَاء لما فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد الْجَمَاعَة: (وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها. .) الحَدِيث. قَالُوا: وعَلى هَذَا: المجمرة والملعقة والمدهن والميل والمكحلة والمرآة وَنَحْو ذَلِك، فيستوي فِي ذَلِك الرِّجَال وَالنِّسَاء لعُمُوم النَّهْي، وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع، وَيجوز الشّرْب فِي الْإِنَاء المفضض وَالْجُلُوس على السرير المفضض إِذا كَانَ يَتَّقِي مَوضِع الْفضة، أَي: يَتَّقِي فَمه ذَلِك، وَقيل: يَتَّقِي أَخذه بِالْيَدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يكره. وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَيجوز التجمل بالأواني من الذَّهَب وَالْفِضَّة بِشَرْط أَن لَا يُرِيد بِهِ التفاخر وَالتَّكَاثُر، لِأَن فِيهِ إِظْهَار نعم الله تَعَالَى.
الثَّانِي: خَاتم الذَّهَب فَإِنَّهُ حرَام على الرِّجَال، والْحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَمن النَّاس من أَبَاحَ التَّخَتُّم بِالذَّهَب لما روى الطَّحَاوِيّ فِي (شرح الْآثَار) بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن مَالك، قَالَ: رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب، فَقيل لَهُ: فَقَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألبسنيه. وَقَالَ: (إلبس مَا كساك الله، عز وَجل، وَرَسُوله) . وَالْجَوَاب عَنهُ أَن التَّرْجِيح للْمحرمِ وَمَا رُوِيَ من ذَلِك كَانَ قبل النَّهْي، وَأما التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يجوز لما رُوِيَ (عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من فضَّة لَهُ فص حبشِي وَنقش عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله) ، رَوَاهُ الْجَمَاعَة، وَالسّنة أَن يكون قدر مِثْقَال فَمَا دونه، والتختم سنة لمن يحْتَاج إِلَيْهِ كالسلطان وَالْقَاضِي وَمن فِي مَعْنَاهُمَا، وَمن لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِ فَتَركه أفضل.
الثَّالِث: الْحَرِير وَهُوَ حرَام على الرِّجَال دون النِّسَاء لما روى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي) ، زَاد ابْن مَاجَه: (حل لإناثهم) ، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم رووا حل الْحَرِير للنِّسَاء، وهم: عمر، فَحَدِيثه عِنْد الْبَزَّار وَأَبُو مُوسَى