الَّتِي بعد طُلُوع الْفجْر سَاعَة لَا يدْخل أحد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، وَقَائِل ذَلِك هُوَ ابْن عمر أَيْضا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يشْتَغل فِيهَا بالخلائق.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السّنة قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَلَكِن روى البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر) . وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة خَالِد الْحذاء (عَن عبد الله بن شَقِيق، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تطوعه؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قبل الظّهْر أَرْبعا) . وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَاصِم بن حَمْزَة (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي قبل الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث عَليّ حَدِيث حسن، وَقَالَ أَيْضا: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن بعده يختارون أَن يُصَلِّي الرجل قبل الظّهْر أَربع رَكْعَات، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَإِسْحَاق، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه حَدِيث أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى فِي يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة تَطَوّعا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، وَزَاد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: (أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْغَدَاة) . وللنسائي فِي رِوَايَة: (وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر) بدل: (وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) ، وَكَذَلِكَ عِنْد ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَرَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة بِسَنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَجمع الْحَاكِم فِي لَفظه بَين الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ فِيهِ: (وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) . وَكَذَلِكَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَاحْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث أَن السّنَن الْمُؤَكّدَة فِي الصَّلَوَات الْخمس اثْنَتَا عشرَة: رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر وَأَرْبع قبل الظّهْر وَبعدهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وركعتان بعد الْمغرب وَبعد الْعشَاء، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: ذهب الْأَكْثَرُونَ، يَعْنِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي، إِلَى أَن الرَّوَاتِب عشر رَكْعَات، وَهِي: رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح، وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا، وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء. قَالَ: وَمِنْهُم من زَاد على الْعشْر رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ثابر على اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة من السّنة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) .
وَفِيه: (سَجْدَتَيْنِ بعد الظّهْر) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ، وَقد روى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ قَالَت أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرم على النَّار) ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، والتوفيق بَين الْحَدِيثين أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بعد الظّهْر رَكْعَتَيْنِ مرّة، وَصلى بعد الظّهْر أَرْبعا مرّة، بَيَانا للْجُوَاز، وَاخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي الْأَعْدَاد مَحْمُول على توسعة الْأَمر فِيهَا، وَأَن لَهَا أقل وَأكْثر فَيحصل أقل السّنة بِالْأَقَلِّ، وَلَكِن الِاخْتِيَار فعل الْأَكْثَر الْأَكْمَل، وَقد عد جمع من الشَّافِعِيَّة الْأَرْبَع قبل الظّهْر من الرَّوَاتِب وَحكى عَن الرَّافِعِيّ أَنه حكى عَن الْأَكْثَرين أَن راتبة الظّهْر رَكْعَتَانِ قبلهَا وركعتان بعْدهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: رَكْعَتَانِ من الْأَرْبَع بعْدهَا راتبة وركعتان مُسْتَحبَّة بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب. وَمذهب الشَّافِعِي فِي هَذَا الْبَاب أَن السّنَن عِنْد الصَّلَوَات الْخمس عشر رَكْعَات: قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَقد مر عَن قريب، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمن الشَّافِعِيَّة من قَالَ أدنى الْكَمَال ثَمَان فأسقط سنة الْعشَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَمِنْهُم من قَالَ: اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة، فَجعل قبل الظّهْر أَرْبعا، والأكمل عِنْد الشَّافِعِيَّة ثَمَانِي عشرَة رَكْعَة، زادوا: قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا قبل الْعَصْر. وَفِي (الْمُهَذّب) : أدنى الْكَمَال عشر رَكْعَات، وَأتم الْكَمَال ثَمَانِي عشرَة، وَفِي اسْتِحْبَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب وَجْهَان: قيل باستحبابهما وَقيل لَا تستحبان، وَبِه قَالَ أَصْحَابنَا، ثمَّ الْأَرْبَع قبل الظّهْر بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة عندنَا لما روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَربع قبل الظّهْر لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيم تفتح لَهُنَّ أَبْوَاب السَّمَاء) ، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يُصليهَا بتسليمتين، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يصليهن بتسليمتين) ، وَالْجَوَاب عَنهُ أَن معنى قَوْله: (بتسليمتين) يَعْنِي بتشهدين، فَسمى التَّشَهُّد تَسْلِيمًا لما فِيهِ من السَّلَام، كَمَا سمى التَّشَهُّد لما فِيهِ من الشَّهَادَة، وَقد رُوِيَ هَذَا التَّأْوِيل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه (وسجدتين بعد الْمغرب) أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْمغرب، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث، وَاخْتلف السّلف فِي النَّفْل قبل الْمغرب، فَأَجَازَهُ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء وحجتهم