من المكتوبات والتطوع مَعَ كل رَكْعَة سَجْدَتَانِ، فالنظر على ذَلِك أَن تكون صَلَاة الْكُسُوف كَذَلِك، وَقَالَ ابْن حزم: الْعَمَل بِمَا صَحَّ ورأي أهل بَلَده، قد يجوز أَن يكون ذَلِك اخْتِلَاف إِبَاحَة وتوسعة غير سنة قلت: الصَّوَاب أَن لَا يُقَال: اخْتلفُوا فِي صَلَاة الْكُسُوف، بل تحيروا؛ فَكل وَاحِد مِنْهُم تعلق بِحَدِيث وَرَآهُ أولى من غَيره بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي صِحَّته، فَأَبُو حنيفَة تعلق بِأَحَادِيث من ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة لموافقتها الْقيَاس فِي أَبْوَاب الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي، وَأَبُو الطّيب وَغَيرهمَا: تحمل أحاديثنا على الِاسْتِحْبَاب، وأحاديثهم على الْجَوَاز. وَقَالَ السرُوجِي: قُلْنَا: لم يفعل ذَلِك بِالْمَدِينَةِ إلاّ مرّة وَاحِدَة، فَإِذا حصل هَذَا الِاضْطِرَاب الْكثير من رُكُوع وَاحِد إِلَى عشر ركوعات يعْمل بِمَا لَهُ أصل فِي الشَّرْع. انْتهى. قلت: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْكُسُوف غير مرّة، وَفِي غير سنة، فروى كل وَاحِد مَا شَاهده من صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضَبطه من فعله، وَذكر النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : أَن عِنْد الشَّافِعِيَّة لَا تجوز الزِّيَادَة على ركوعين، وَبِه قطع جمهورهم قَالَ: وَهُوَ ظَاهر نصوصه قلت: الزِّيَادَة من الْعدْل مَقْبُولَة عِنْدهم، وَقد صحت الزِّيَادَة على الركوعين وَلم يعملوا بهَا فَكل، جَوَاب لَهُم عَن الزِّيَادَة على الركوعين فَهُوَ جَوَاب لنا عَمَّا زَاد على رُكُوع وَاحِد. وَقَالَ السَّرخسِيّ: وَتَأْويل الركوعين فَمَا زَاد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طوَّل الرُّكُوع فِيهَا، فَإِنَّهُ عرضت عَلَيْهِ الْجنَّة وَالنَّار، فمل بعض الْقَوْم وظنوا أَنه رفع رَأسه فَرفعُوا رؤوسهم وَمن خلف الصَّفّ الأول ظنُّوا أَنه ركع ركوعين، فَرَوَوْه على حسب مَا وَقع عِنْدهم قلت: وَفِيه نظر لَا يخفى، وَقيل: رفع رَأسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليختبر حَال الشَّمْس هَل انجلت أم لَا؟ وَهَكَذَا فعل فِي كل رُكُوع، وَفِيه نظر أَيْضا.

الْوَجْه الْخَامِس: فِي صفة الْقِرَاءَة فِيهَا. فمذهب أبي حنيفَة أَن الْقِرَاءَة تُخفى فِيهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : إِن مَذْهَبنَا وَمذهب مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث بن سعد وَجُمْهُور الْفُقَهَاء أَنه يسر فِي كسوف الشَّمْس ويجهر فِي خُسُوف الْقَمَر، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد وَإِسْحَاق: يجْهر فيهمَا. وَحكى الرَّافِعِيّ عَن الصيدلاني مثله، وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: الْجَهْر والإسرار سَوَاء، وَمَا حَكَاهُ الثَّوْريّ عَن مَالك هُوَ الْمَشْهُور بِخِلَاف مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقد حكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك الْإِسْرَار، كَقَوْل الشَّافِعِي، وَكَذَا روى ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) ، وَقَالَ الْمَازرِيّ: إِن مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَالك من الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ رِوَايَة شَاذَّة مَا وقفت عَلَيْهَا فِي غير كِتَابَة، قَالَ: وَذكرهَا ابْن شعْبَان عَن الْوَاقِدِيّ عَن مَالك، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) والقرطبي فِي (الْمُفْهم) : إِن معن بن عِيسَى والواقدي رويا عَن مَالك الْجَهْر، قَالَا: ومشهور قَول مَالك الْإِسْرَار فِيهَا، وَأما مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من الْإِسْرَار فَهُوَ الْمَعْرُوف عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُوَيْطِيّ والمزني. وَحكى الرَّافِعِيّ أَن أَبَا سُلَيْمَان الْخطابِيّ ذكر أَن الَّذِي يَجِيء على مَذْهَب الشَّافِعِي: الْجَهْر فيهمَا، وَتَابعه النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) على نَقله ذَلِك، وَتعقبه فِي (شرح الْمُهَذّب) فَقَالَ: إِن مَا نَقله عَن الْخطابِيّ لم أره فِي كتاب لَهُ. وَتعقب صَاحب (الْمُهِمَّات) أَيْضا الرَّافِعِيّ بِأَن الَّذِي نَقله الْخطابِيّ فِي (معالم السّنَن) : الْإِسْرَار. وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: مَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْخطابِيّ مَوْجُود عَنهُ، وَقد ذكره فِي كِتَابه (أَعْلَام الْجَامِع الصَّحِيح) فَقَالَ، بعد أَن حكى عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الرَّأْي: ترك الْجَهْر لحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فحزرنا قِرَاءَته، فَلَو جهر لما احْتَاجَ إِلَى: الحزر. قَالَ: والجهر أشبه بِمذهب الشَّافِعِي، لِأَن عَائِشَة تثبت الْجَهْر. قَالَ: وَيجوز أَن ابْن عَبَّاس وقف فِي آخر الصَّفّ فَلم يسمع. وَاحْتج الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمن مَعَهُمَا فِي الْإِسْرَار بِحَدِيث ابْن عَبَّاس. أخرجه فِي (مَعَاني الْآثَار) أَنه قَالَ: مَا سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف حرفا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى فِي (مسانيدهم) وَأَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) وَبِحَدِيث سَمُرَة ابْن جُنْدُب، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف وَلَا نسْمع لَهُ صَوتا) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مطولا، ثمَّ احْتج لأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن مَعَهُمَا فِي الْجَهْر بِحَدِيث عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... . إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: يجوز أَن يكون ابْن عَبَّاس وَسمرَة لم يسمعا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته حرفا، وَقد جهر فِيهَا، لبعدهما عَنهُ، فَهَذَا لَا يَنْفِي الْجَهْر. وَقَالَ أَيْضا: النّظر فِي ذَلِك أَن يكون حكمهَا كَحكم صَلَاة الاسْتِسْقَاء عِنْد من يَرَاهَا وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ، لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَفْعُول فِي خَاص من الْأَيَّام، فَكَذَلِك هَذَا. قلت: ظهر من كَلَامه أَنه مَعَ أبي يُوسُف وَمُحَمّد؟

قلت: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي الْجَهْر والإسرار فِي صَلَاة الْكُسُوف، فَعِنْدَ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَقَالَهُ البُخَارِيّ فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَعند أبي دَاوُد من رِوَايَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015