فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ حضرت الصَّلَاة فصلوا، فَنزلت الْآيَة: {أقِم الصَّلَاة} (هود: 114) .
القَوْل الثَّالِث: إِنَّه ابْن معتب، رجل من الْأَنْصَار ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة فِي (تَارِيخه) من حَدِيث إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، قَالَ: (أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: معتب) ، فَذكر الحَدِيث.
القَوْل الرَّابِع: إِنَّه أَبُو مقبل، عَامر بن قيس الْأنْصَارِيّ ذكره مقَاتل فِي (نَوَادِر التَّفْسِير) وَقَالَ: هُوَ الَّذِي نزل فِيهِ: {أقِم الصَّلَاة} (هود: 114)
القَوْل الْخَامِس: هُوَ نَبهَان التمار، وَزعم الثَّعْلَبِيّ أَن نَبهَان لم ينزل فِيهِ إِلَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم} (آل عمرَان: 135) . الْآيَة.
القَوْل السَّادِس: إِنَّه عباد، ذكره الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره.
قَوْله: {طرفِي النَّهَار} (هود: 114) . قَالَ الثَّعْلَبِيّ: طرفِي النَّهَار: الْغَدَاة والعشي، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْمغرب. وَقَالَ مُجَاهِد: صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعشي. وَقَالَ الضَّحَّاك: الْفجْر وَالْعصر، وَقَالَ مقَاتل: صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر طرف، وَصَلَاة الْمغرب وَالْعصر طرف، وانتصاب: (طرفِي النَّهَار) على الظّرْف لِأَنَّهُمَا مضافان إِلَى الْوَقْت، كَقَوْلِك: أَقمت عِنْده جَمِيع النَّهَار، وَهَذَا على إِعْطَاء الْمُضَاف حكم الْمُضَاف إِلَيْهِ. قَوْله: {وَزلفًا من اللَّيْل} : (هود: 114) : صَلَاة الْعَتَمَة. وَقَالَ الْحسن: هما الْمغرب وَالْعشَاء، وَقَالَ الْأَخْفَش: يَعْنِي صَلَاة اللَّيْل، وَقَالَ الز (جاج: مَعْنَاهُ الصَّلَاة الْقَرِيبَة من أول اللَّيْل، والزلف: جمع زلفة، وَقَرَأَ الْجُمْهُور، بِضَم الزَّاي وَفتح اللَّام، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بضمهما، وَقَرَأَ ابْن مُحَيْصِن بِضَم الزَّاي وَجزم اللَّام، وَقَرَأَ مُجَاهِد زلفى مثل قربى، وَفِي (الْمُحكم) زلف اللَّيْل: سَاعَات من أَوله. وَقيل: هِيَ سَاعَات اللَّيْل الْأَخِيرَة من النَّهَار وساعات النَّهَار الْأَخِيرَة من اللَّيْل. وَفِي (جَامع) الْقَزاز: الزلفة: الْقرْبَة من الْخَيْر وَالشَّر، وانتصاب: زلفى، على أَنه عطف على: الصَّلَاة، أَي: أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار، وأقم زلفى من اللَّيْل. قَوْله: {إِن الْحَسَنَات} (هود: 114) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يخْتَلف أحد من أهل التَّأْوِيل أَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْآيَة يُرَاد بهَا الْفَرَائِض. قَوْله: (أَلِي هَذَا؟) الْهمزَة للاستفهام، وَقَوله: هَذَا، مُبْتَدأ، وَقَوله، لي، مقدما خَبره. وَفَائِدَة التَّقْدِيم التَّخْصِيص. قَوْله: (كلهم) ، لَيْسَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: عدم وجوب الْحَد فِي الْقبْلَة وَشبههَا من الْمس وَنَحْوه من الصَّغَائِر، وَهُوَ من اللمم المعفو عَنهُ باجتناب الْكَبَائِر بِنَصّ الْقُرْآن. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَقد يسْتَدلّ بِهِ على أَنه لَا حد وَلَا أدب على الرجل وَالْمَرْأَة، وَإِن وجدا فِي ثوب وَاحِد، وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْمُنْذر. انْتهى قلت سلمنَا فِي نفي الْحَد، وَلَا نسلم فِي نفي الْأَدَب، سِيمَا فِي هَذَا الزَّمَان.
وَفِيه: أَن إِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس تجْرِي مجْرى التَّوْبَة فِي ارْتِكَاب الصَّغَائِر.
وَفِيه: أَن بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح، وَالتَّوْبَة مَقْبُولَة وَفِي الْآي الْمَذْكُورَة دَلِيل على قَول أبي حنيفَة فِي أَن التَّنْوِير بِصَلَاة الْفجْر أفضل، وَذَلِكَ لِأَن ظَاهر الْآيَة يدل على وجوب إِقَامَة الصَّلَاة فِي طرف النَّهَار، وبيَّنا أَن طرفِي النَّهَار: الزَّمَان الأول بِطُلُوع الشَّمْس، وَالزَّمَان الأول بغروبها. وأجمعت الْأمة على أَن إِقَامَة الصَّلَاة فِي ذَلِك الْوَقْت من غير ضَرُورَة غير مَشْرُوع، فقد تعذر الْعَمَل بِظَاهِر هَذِه الْآيَة، فَوَجَبَ حملهَا على الْمجَاز، وَهُوَ أَن يكون المُرَاد إِقَامَة الصَّلَاة فِي الْوَقْت الَّذِي يقرب من طرفِي النَّهَار، لِأَن مَا يقرب من الشَّيْء يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْمه، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكل وَقت كَانَ أقرب إِلَى طُلُوع الشَّمْس، وَإِلَى غُرُوبهَا كَانَ أقرب إِلَى ظَاهر اللَّفْظ، وَإِقَامَة صَلَاة الْفجْر عِنْد التَّنْوِير أقرب إِلَى وَقت الطُّلُوع من إِقَامَتهَا عِنْد الْغَلَس، وَكَذَلِكَ إِقَامَة صَلَاة الْعَصْر عِنْدَمَا يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ أقرب إِلَى وَقت الْغُرُوب من إِقَامَتهَا عِنْدَمَا صَار ظلّ كل شَيْء مثله، وَالْمجَاز: كلما كَانَ أقرب إِلَى الْحَقِيقَة كَانَ حمل اللَّفْظ عَلَيْهِ أولى.
وفيهَا: دَلِيل أَيْضا على وجوب الْوتر، لِأَن قَوْله {وَزلفًا} (هود: 114) . يَقْتَضِي الْأَمر بِإِقَامَة الصَّلَاة فِي زلف من اللَّيْل، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عطف على الصَّلَاة فِي قَوْله: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} (هود: 114) . فَيكون التَّقْدِير: وأقم الصَّلَاة فِي زلف من اللَّيْل، والزلف جمع، وَأَقل الْجمع ثَلَاثَة، فَالْوَاجِب إِقَامَة الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، فالوقتان للمغرب وَالْعشَاء، وَالْوَقْت الثَّالِث للوتر، فَيجب الحكم بِوُجُوبِهِ. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) ذكر هَذَا شَيخنَا قطب الدّين، وَتَبعهُ شَيخنَا عَلَاء الدّين، وَهِي نزغة وَلَا نسلم لَهما قلت: لَا نسلم لَهُ لِأَن عدم التَّسْلِيم بعد إِقَامَة الدَّلِيل مُكَابَرَة.
أَي: هَذَا فِي بَيَان فضل الصَّلَاة لوَقْتهَا، وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: فضل الصَّلَاة فِي وَقتهَا، لِأَن الْوَقْت ظرف لَهَا، ولذكره هَكَذَا وَجْهَان: الأول: أَن عِنْد الْكُوفِيّين أَن حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام الْبَعْض. وَالثَّانِي: اللَّام، هُنَا مثل اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} (الطَّلَاق: 1) أَي: مستقبلات لعدتهن، وَمثل قَوْلهم: لَقيته لثلاث بَقينَ من الشَّهْر، وَتسَمى: بلام التَّأْقِيت، والتأريخ. وَأما