على السرير، فعلى هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير مُبْتَدأ. وَأما وَجه النصب فِي: مُضْطَجِعَة، فعلى أَنه حَال من: عَائِشَة، أَيْضا، ثمَّ يجوز أَن يكون هَذَانِ الحالان مترادفين، وَيجوز أَن يَكُونَا متداخلين. قَوْله: (شبهتمونا بالحمر وَالْكلاب) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (لقد جعلتمونا كلاباً) ، وَهِي فِي اسْتِقْبَال الرجل وَهُوَ يُصَلِّي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (قَالَت: عدلتمونا بالكلاب والحمر) . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: (لقد شبهتمونا بالحمير وَالْكلاب) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (لقد عدلتمونا بالكلاب وَالْحمير) . وَقد أخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من سبع طرق صِحَاح، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور: (قَالَت عَائِشَة: ياأهل الْعرَاق قد عدلتمونا) . الحَدِيث، وَقد أخرج أهل الْعرَاق حَدِيثا عَن أبي ذَر أخرجه مُسلم، وَقَالَ: حدّثنا ابْن أبي شيبَة، قَالَ: حدّثنا إِسْمَاعِيل بن علية وحَدثني زُهَيْر بن حَرْب، قَالَ: حدّثنا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن يُونُس عَن حميد بن عبد ابْن الصَّامِت عَن أبي ذَر، قَالَ رَسُول ا: (إِذا قَامَ أحدكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ يستره إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل، فَإِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل فَإِنَّهُ يقطع صلَاته الْحمار وَالْمَرْأَة وَالْكَلب الْأسود. قلت: يَا أَبَا ذَر: مَا بَال الْكَلْب الْأسود من الْكَلْب الْأَحْمَر وَمن الْكَلْب الْأَصْفَر؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، سَأَلت رَسُول الله كَمَا سَأَلتنِي، فَقَالَ: الْكَلْب الْأسود شَيْطَان) .
وَأخرجه الْأَرْبَعَة أَيْضا مطولا ومختصراً، وَقيد الْكَلْب فِي رِوَايَته بالأسود، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، قَالَ: (يقطع الصَّلَاة الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض) . وَقيد الْمَرْأَة فِي رِوَايَته بالحائض. قَوْله: (فتبدو لي الْحَاجة) أَي: تظهر، وَفِي (مُسْند) السراج: (فَيكون لي حَاجَة) . قَوْله: (فأكره أَن أَجْلِس) أَي: مُسْتَقْبل رَسُول ا، وَذكر فِي بَاب الصَّلَاة على السرير: (فأكره أَن أسنحه) . وَفِي بَاب اسْتِقْبَال الرجل: (فأكره أَن أستقبله) ، وَالْمَقْصُود من ذَلِك كُله وَاحِد، لَكِن باخْتلَاف المقامات اخْتلف الْعبارَات. قَوْله: (فأوذي) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع وفاعله الضَّمِير فِيهِ: (وَالنَّبِيّ) بِالنّصب مَفْعُوله، وَفِي النَّسَائِيّ: من طَرِيق شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن الْأسود عَن عَائِشَة فِي هَذَا الحَدِيث: (فأكره أَن أقوم فَأمر بَين يَدَيْهِ) . قَوْله: (فأنسل) بِالرَّفْع عطفا على قَوْله: (فأكره) ، وَلَيْسَ بِالنّصب عطفا على: (فأوذي) . وَمعنى: (فأنسل) : أَي: أمضي بتأن وتدريج. وَقد ذكرنَا مرّة وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (فأنسل انسلالاً) . وَكَذَا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّحَاوِيّ: دلّ حَدِيث عَائِشَة على أَن مُرُور بني آدم بَين يَدي الْمُصَلِّي لَا يقطع الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ دلّ حَدِيث أم سَلمَة ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث، فَأخْرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث أم سَلمَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة، قَالَت: (كَانَ يفرش لي حِيَال مصلى رَسُول ا، كَانَ يُصَلِّي وَأَنا حياله) . وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) نَحوه، غير أَن فِي لَفظه: (حِيَال مَسْجِد رَسُول ا) ، أَي: تِلْقَاء وَجهه. وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا حَدِيث مَيْمُونَة: عَن عبد الله بن شَدَّاد، قَالَ: حَدَّثتنِي خَالَتِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، قَالَت: (كَانَ فِرَاشِي حِيَال مصلى رَسُول ا، فَرُبمَا وَقع ثَوْبه عَليّ وَهُوَ يُصَلِّي) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: (كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي وَأَنا حذاءه، وَأَنا حَائِض، وَرُبمَا أصابني ثَوْبه إِذا سجد وَكَانَ يُصَلِّي على الْخمْرَة) . قَوْله: (مصلى رَسُول ا) ، بِفَتْح اللَّام، وَهُوَ الْموضع الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيته، وَهُوَ مَسْجده الَّذِي عينه للصَّلَاة فِيهِ، و: الْخمْرَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: حَصِير صَغِير يعْمل من سعف النّخل وينسج بالسيور والخيوط، وَهِي على قدرهَا مَا يوضع عَلَيْهَا الْوَجْه وَالْأنف، فَإِذا كَبرت عَن ذَلِك تسمى حَصِيرا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فقد تَوَاتَرَتْ هَذِه الْآثَار عَن رَسُول الله بِمَا يدل على أَن بني آدم لَا يقطعون الصَّلَاة، وَقد جعل مل مَا بَين يَدي الْمُصَلِّي فِي حَدِيث ابْن عمر وَأبي سعيد شَيْطَانا، وَأخْبر أَبُو ذَر: أَن الْكَلْب الْأسود إِنَّمَا يقطع الصَّلَاة لِأَنَّهُ شَيْطَان، فَكَانَت الْعلَّة الَّتِي جعلت لقطع الصَّلَاة قد جعلت فِي بني آدم أَيْضا، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنهم لَا يقطعون الصَّلَاة، فَدلَّ على أَن كل مار بَين يَدي الْمُصَلِّي، مِمَّا سوى بني آدم، كَذَلِك أَيْضا لَا يقطع الصَّلَاة، وَالدَّلِيل على صِحَة مَا ذكرنَا أَن ابْن عمر، مَعَ رِوَايَته مَا ذكرنَا عَنهُ من قَوْله، قد وري عَنهُ من بعده مَا حدّثنا يُونُس، قَالَ: حدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم، قَالَ: قيل لِابْنِ عمر: إِن عبد ابْن عَيَّاش بن ربيعَة، يَقُول: يقطع الصَّلَاة الْكَلْب وَالْحمار، فَقَالَ ابْن عمر: لَا يقطع صَلَاة الْمُسلم شَيْء وَقد دلّ هَذَا على ثُبُوت نسخ مَا كَانَ سَمعه من رَسُول الله حَتَّى صَار مَا قَالَ بِهِ من ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم، وَتعقب على كَلَام الطَّحَاوِيّ بِأَن النّسخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا إِذا علم التَّارِيخ وَتعذر الْجمع والتاريخ هُنَا لم يتَحَقَّق وَالْجمع لم يتَعَذَّر (قلت) لَا نسلم -