بِحَسب الْعدَد بعد تقرر الشَّرَائِع بتكرار التَّصْدِيق والتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة مرّة بعد أُخْرَى بعد الذهول عَنهُ تَكْرَارا كثيرا أَو قَلِيلا وَيزِيد وَينْقص مُطلقًا أَي قبل تقرر الشَّرَائِع وَبعده بِحَسب الْكَيْفِيَّة أَي الْقُوَّة والضعف بِحَسب ظُهُور أَدِلَّة حقية الْمُؤمن بِهِ وخفائها وقوتها وضعفها وَقُوَّة اعْتِقَاد الْمُقَلّد فِي الْمُقَلّد وَضَعفه وروى عَن بعض الْمُحَقِّقين أَنه قَالَ الْأَظْهر أَن نفس التَّصْدِيق يزِيد بِكَثْرَة النّظر وتظاهر الْأَدِلَّة وَلِهَذَا يكون إِيمَان الصديقين والراسخين فِي الْعلم أقوى من إِيمَان غَيرهم بِحَيْثُ لَا تعتريهم الشُّبْهَة وَلَا يزلزل إِيمَانهم معَارض وَلَا تزَال قُلُوبهم منشرحة لِلْإِسْلَامِ وَإِن اخْتلفت عَلَيْهِم الْأَحْوَال النَّوْع الرَّابِع فِي أَن الْإِسْلَام مُغَاير للْإيمَان أَو هما متحدان فَنَقُول الْإِسْلَام فِي اللُّغَة الانقياد والإذعان وَفِي الشَّرِيعَة الانقياد لله بِقبُول رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة والإتيان بالواجبات والانتهاء عَن الْمُنْكَرَات كَمَا دلّ عَلَيْهِ جَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْإِسْلَام فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان وَيُطلق الْإِسْلَام على دين مُحَمَّد يُقَال دين الْإِسْلَام كَمَا يُقَال دين الْيَهُودِيَّة والنصرانية قَالَ الله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاق طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فيهمَا فَذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُمَا متغايران وَهُوَ الصَّحِيح وَذهب بعض الْمُحدثين والمتكلمين وَجُمْهُور الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام والإسمان مُتَرَادِفَانِ شرعا وَقَالَ الْخطابِيّ وَالصَّحِيح من ذَلِك أَن يُقيد الْكَلَام وَلَا يُطلق وَذَلِكَ أَن الْمُسلم قد يكون فِي بعض الْأَحْوَال دون بعض وَالْمُؤمن مُسلم فِي جَمِيع الْأَحْوَال فَكل مُؤمن مُسلم وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا وَإِذا حملت الْأَمر على هَذَا استقام لَك تَأْوِيل الْآيَات واعتدل القَوْل فِيهَا وَلم يخْتَلف شَيْء مِنْهَا وأصل الْإِيمَان التَّصْدِيق وأصل الْإِسْلَام الاستسلام والانقياد فقد يكون الْمَرْء مُسلما فِي الظَّاهِر غير منقاد فِي الْبَاطِن وَقد يكون صَادِقا بالباطن غير منقاد فِي الظَّاهِر قلت هَذِه إِشَارَة إِلَى أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا مُطلقًا كَمَا صرح بِهِ بعض الْفُضَلَاء وَالْحق أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا من وَجه لِأَن الْإِيمَان أَيْضا قد يُوجد بِدُونِ الْإِسْلَام كَمَا فِي شَاهِق الْجَبَل إِذا عرف الله بعقله وَصدق بِوُجُودِهِ ووحدته وَسَائِر صِفَاته قبل أَن تبلغه دَعْوَة نَبِي وَكَذَا فِي الْكَافِر إِذا اعْتقد جَمِيع مَا يجب الْإِيمَان بِهِ اعتقادا جَازِمًا وَمَات فَجْأَة قبل الْإِقْرَار وَالْعَمَل وَالْحَاصِل أَن بَيَان النِّسْبَة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام بالمساواة أَو بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص مَوْقُوف على تَفْسِير الْإِيمَان فَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة وَالْحَنَفِيَّة التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار والكرامية الْإِقْرَار وَبَعض الْمُعْتَزلَة الْأَعْمَال وَالسَّلَف التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان فَهَذِهِ أَقْوَال خَمْسَة الثَّلَاثَة مِنْهَا بسيطة وَوَاحِد مركب ثنائي وَالْخَامِس مركب ثلاثي وَوجه الْحصْر أَنه إِمَّا بسيط أَو لَا والبسيط إِمَّا اعتقادي أَو قولي أَو عَمَلي وَغير الْبَسِيط إِمَّا ثنائي وَإِمَّا ثلاثي وَهَذَا كُله بِالنّظرِ إِلَى مَا عِنْد الله تَعَالَى أما عندنَا فالإيمان هُوَ بِالْكَلِمَةِ فَإِذا قَالَهَا حكمنَا بإيمانه اتِّفَاقًا بِلَا خلاف ثمَّ لَا تغفل أَن النزاع فِي نفس الْإِيمَان وَأما الْكَمَال فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من الثَّلَاثَة إِجْمَاعًا ثمَّ أَن الَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَالْإِسْلَام مُتَرَادِفَانِ استدلوا على ذَلِك بِوُجُوه الأول أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاللَّه وَالْإِسْلَام إِمَّا أَن يكون مأخوذا من التَّسْلِيم وَهُوَ تَسْلِيم العَبْد نَفسه لله تَعَالَى أَو يكون مأخوذا من الاستسلام وَهُوَ الانقياد وَكَيف مَا كَانَ فَهُوَ رَاجع إِلَى مَا ذكرنَا من تَصْدِيقه بِالْقَلْبِ واعتقاده أَنه تَعَالَى خالقه لَا شريك لَهُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} وَقَوله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} بَين أَن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وَأَن كل دين غير الْإِسْلَام غير مَقْبُول وَالْإِيمَان دين لَا محَالة فَلَو كَانَ غير الْإِسْلَام لما كَانَ مَقْبُولًا وَلَيْسَ كَذَلِك الثَّالِث لَو كَانَا متغايرين لتصور أَحدهمَا بِدُونِ الآخر ولتصور مُسلم لَيْسَ بِمُؤْمِن وَأجِيب عَن الأول بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاللَّه فَقَط وَإِلَّا لَكَانَ كثير من الْكفَّار مُؤمنين لتصديقهم بِاللَّه بل هُوَ تَصْدِيق الرَّسُول بِكُل مَا علم مَجِيئه بِهِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا مر وَلَئِن سلمنَا لَكِن لَا نسلم أَن التَّسْلِيم هَهُنَا بِمَعْنى تَسْلِيم العَبْد نَفسه لم لَا يجوز أَن يكون بِمَعْنى الاستسلام وَهُوَ الانقياد وَلِأَن أحد مَعَاني التَّسْلِيم الانقياد وَحِينَئِذٍ يلْزم تغايرهما لجَوَاز الانقياد ظَاهرا بِدُونِ تَصْدِيق الْقلب وَعَن الثَّانِي بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق فَقَط دين بل الدّين إِنَّمَا يُقَال لمجموع الْأَركان الْمُعْتَبرَة فِي كل دين كالإسلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015