ف وق:
قوله تعالى: {وفوق كل ذي علمٍ عليم} [يوسف: 76] أي ليس من عالمٍ إلا وفوقه من هو أعلم منه، وهذه الصفة ليست لأحدٍ إلا للباري تعالى، وأما البشر فيتفاوتون فلا تجد أحدًا يتقن شيئًا إلا وفوقه في ذلك العلم من يفوقه فيه إلى أن ينتهي ذلك العلم إلى واحدٍ مخصوصٍ، ففوق ذلك الواحد الباري تعالى.
وقوله: {وهو القاهرة فوق عباده} [الأنعام: 18] فالفوقية هنا ليست حقيقتها مرادة -تعالى الله عن الجهة- وإنما المراد أن قهره وسلطنه وقدرته استعلت على عباده؛ فهم تحت قهره وسلطنه لا يخرجون عن إرادته ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا خيرًا ولا شرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
واعلم أن فوق من ظروف الأمكنة المقابل لتحت وتصرفه قليل جدًا، ويضاف فيعرف، ويقطع فيبنى كقبل، ويكون ظرفًا حقيقةً ومجازًا نحو: ثوبك فوقك، ونعمته فوقك، ولما ذكرته من المجاز قال بعضهم: فوق تستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة، وذلك أضرب.
الأول: باعتبار العلو، ويقابله تحت نحو قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} [الأنعام: 65] ولذلك قابله بقوله: {أو من تحت أرجلكم}.
والثاني: باعتبار الصعود والحدور كقوله تعالى: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} [الأحاب: 10]. قلت: ولذلك قوبل هنا بأسفل دون تحت.
الثالث: أن يقال في العدد، أي باعتبار الزيادة، كقوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} [النساء: 11] أي ائدة على اثنتين. ولما رأى بعضهم أن حكم الثنتين حكم ما فوقهما في ذلك زعم أن فوق زائدة، وجعل مثله: {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12]. وقال: تقديره فاضربوا الأعناق، وهذا وهم، وتحقيقه في غير هذا.