البصيرة دون عمى البصر. قال بعضهم: لم يعد الله تعالى افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عمى حين قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج:46]. ويجمع الأعمى أيضًا على عميانٍ. قوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء:72] أي من كان ضالًا في الدنيا فهو أضل منه في الآخرة فكلاهما بمعنى. وقيل: اسم فاعلٍ لا يقصد به تفضيل، والثاني للتفضيل لأنه من فقدان البصيرة. ويجوز يناء أفعل منه بخلاف عمى البصر.

قلت: ولأجل ذلك فرق أبو عمرو بينهما في الإمالة؛ فأمال الأول دون الثاني لأن الثاني أفعل للتفضيل، فمن معه مزادة، فوقعت ألفه كالحشو لافتقار أفعل إلى من افتقار المضاف إلى إليه، بخلاف الأول فإنه لغير تفضيلٍ. فألف طرف لفظًا وتقديرًا، وقد أتقنا ذلك في غير هذا من كتب الإعراب والقراءات.

قوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه:124] الآية، قيل: هو عمى البصر وإنه يعاقب بذلك. وقال الراغب: {وهو عليهم عمى} [كانوا قومًا عمين} {ونحشره يوم القيامة أعمى} [ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا} [الإسراء:97] يحتمل لعمى البصر والبصيرة معًا. قلت: إن أراد مجموع المعنيين فقريب وإن أراد انفراد كل واحدٍ منهما، فيشكل إرادة عمى البصيرة إلا بتأويلٍ متعسفٍ، لأن المراد العقوبة ولا يرى أشد عذابًا ممن يعاقب بالعذاب وبفقد البصر. قوله: {فعميت عليكم} [هود:28] أي اشتبهت. وقرئ بالتخفيف مع فتح الفاء. نسب العمى إليها مبالغةً كما نسب الإبصار إلى آية «النهار» مبالغة»، وكذلك الناقة. وأما قوله: {فعميت عليهم الأنباء يوميذٍ} [القصص:66] فلم تثقل. والعماء بالمد: الجهالة، والسحاب أيضًا. وفي الحديث: «أين كان رينا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال: في عماءٍ تحته عماء وفوقه عماء» قال بعضهم: إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تجهل ولا يمكن الوقوف عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015