الرغم من أن هذا كله مطلب عزيز وأصيل للحضارة ولتماسك الأمة، فإن الاعتياد يقطع صلة الفعل بالباعث، ويحوّله إلى تقليد أجوف، ويمتصّ من الأمة عزيمتها وأنفتها، حتى تصير إلى قدرها المحتوم الذي يغدو فيه الإذلال برنامجًا منظمًا لصالح بعض القوى الطفيلية الفاسدة، يقول ابن خلدون: " .. فإن كانت الملَكَة رفيقة وعادلة لا يعانى منها حكم ولا منع وصدّ كان الناس من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن واثقين بعدم الوازع حتى صار الإذلال جِبلّة لا يعرفون سواها وأما إذا كانت الملكة وأحكامها بالقهر والسطوة والإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم وتُذهب المِنعة عنهم لما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدَة" (?). إذًا، القهر كما اللين سواء بسواء في تعويد الأمة الذلَّ والانكسار.
لا تسقط الأمة في حال الذل المفني بسبب من تلك الممارسات المباشرة التي تمثّل في تصورنا المواقف المذلة، لكن بسبب ميراث عهد طويل من تجارب الظلم والذل والقسوة .. وحصيلة للانكسارات المتوالية، وخيبة الأمل بالفكرة .. إذ تتأصّل فيها مشاعر الخزي والإحباط واليأس، وتتفكّك في الذات تلك المكوّنات الصلبة التي تستند إليها في مواجهة التحديات؛ الداخلية منها والخارجية، فتصبح غرضًا سهلاً لها، وتعجز عن مقاومتها، وتسقط في مطبّ "الهزيمة النفسية".
تعيش الأمة الهزيمة النفسية عندما تمتلك سجلاً واسعًا من علل الانهيار، وتتخذ آثارُها السلبية شكل المسار الطبيعي للحياة