فاته التحضر، ولكنه تنويه بتلك الخصائص النفسية التي تؤهل الأمّة للريادة والغلب والفعالية، وهو تعبير رمزي عن أهمية التحقق بها في أي مشروع حضاري. فإذا ما تشوهت تلك الخصائص بمكتسبات المدنية ورواسب التطور، فإنها قابلة للاسترداد بإزالة عللها التي تأخذ في الوقت نفسه موقع المعلول في علاقة معقدة جدِلة، وأهم تلك العلل:
مهما ابتليت الأمة بأسباب الضعف والركود فإنها تنقلب ماردًا إذا امتلكت فكرة تؤمن بها، وتتحول خصائصها النفسية والذهنية والخلقية من الانهيار والتخاذل واليأس والسلبية واحتقار الذات، إلى الثقة والأمل والاندفاع والغيرية والإيجابية وكل ما يمنحها الطاقة المحركة ويفعّل قواها المعطلَّة. ولكن تعرُّض الفكرة لهزات متعاقبة يخلخل تلك الطبيعة التي اكتسبتها الأمة من معايشة الفكرة والعيش بها، ويسمح للعوامل السلبية الأخرى بأن تترك آثارها بعيدًا في عمق الأمة، وتتحول إلى أخطار معيقة لفاعليتها، ومشوِّهة لخصائصها النفسية، ولتنحرف بملكاتها عن مسارها التاريخي الصاعد. ولعل أخطر آثار انسحاب الفكرة هو تهديدها لمناعة الأمة الذاتية وتركها مكشوفة للعوامل البيئية والتاريخية المتنوعة التي تحمل، إلى جنب مكاسبها، فيروسات لا تنقضّ إلا على البدن الضعيف غير المحصَّن.