تخامد الطاقة الحضارية

كانت لنا وقفة متأنية مع شروط النشأة الحضارية، وصلنا فيها إلى أن الفكرة الحضارية المؤسِّسة هي حجر الزاوية في أية حضارة ضمن كثير من القيود، وستلعب هذه القيود دورًا جوهريًا في سبر علل الانهيار الحضاري، كما أن التحديات لن تغيب مطلقًا عن توجيه دفة الانهيار، ولكن ما كان بالأمس إيجابيًا سيغدو اليوم سلبيًا .. لقد عدنا إلى أن قيمة الشيء نسبية وتتدخل شبكة من العلاقات في تحديدها!

ولا بد قبل الشروع في الكلام على علل الانهيار الحضاري من تحديد مفهومه، واستعراض سريع لأبرز علاماته ..

إذا كنا قد عرّفنا الحضارة بأنها درجة عالية من الفعالية التاريخية، فإن الانهيار في جوهره هو تراجع متدرج لتلك الفعالية، وتخامد للطاقة المحركة يتناسب وغياب الدافع، وقد كانت الفكرة هي الدافع الجوهري للحركة التاريخية وهي خزان طاقتها، بما تتضمنه من قيم ومصالح، فإذا ضعف سلطان الفكرة بدأت القيم بالانفصال عن المصلحة، لتغدو الأخيرة الدافع المباشر، ولا يعيق انسحاب القيم حركة الازدهار المادي، بل على العكس، قد تصل الحضارة ذروتها المادية في مرحلة احتضار القيم، ما دام الدافع المصلحي فعّالاً، فهو ملائم ملاءمة قياسية لذلك النوع من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015