2 - التحديات:

يعتبر توينبي التحديات عاملاً جوهريًا في نشوء الحضارات، منطلقًا من عبارة: "كلما عظم التحدي اشتدّ الحافز" (?)، وكنا قد اعتبرنا الفكرة المعصِّبة العاملَ الحضاري الحاسم الذي لا يُنافَس، فإذا كانت حضارات تنشأ بتأثير ضغط التحديات، فإن الحضارة الإسلامية نشأت من فكرة، وليس من استجابتها المثالية لضغط تحديات معينة! إن التحدّي عامل محايِد تحدّد الاستجابةُ الإنسانية قيمتَه؛ سلبًا أو إيجابًا، وإذا لم يتوافر في مواجهته "المعادلُ" الذي يمنحه معناه، ويجعله فعلاً بين طرفين، كان قهرًا من طرف واحد. وتشكّل الفكرة الحضارية في صورتها الإنسانية الحية المعادلَ الإيجابي، والأرضية الخصبة التي تجعل التحديات محفِّزَة في أثرها الحضاري، في المقابل تعمل التحديات على صياغة الصفات النفسية لرجل الحضارة، وتحفّز غريزةَ الوجود، وتستفزّها للمقاومة، واستنهاض ما لديها من إمكانات وملكات؛ فردية وجماعية، كما أن التحدّيات محرّض قوي للعصبية الجماعية التي تحملها غريزة البقاء على الالتمام في وجه الأخطار.

إن التحديات القاسية إما أن تقتل الذات الهشّة الضعيفة، أو تزيد من صلابة الذات المتماسكة، وتتماسك الذات، الفردية أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015