للفكرة، وتشدّ من وحدة الأمة وتمتّن أواصرها، بل إن توينبي قد جعل هذا الشرط المعيار الفصل للارتقاء الحضاري، إذ قال: "ولا تتخذ الاستجابات الظافرة شكل التغلّب على عقبات خارجية أو قهر خصم خارجي؛ لكنها تُظهر نفسها في الترابط الذاتي أو تقرير المصير" (?). وتكون الفكرة معصّبة عندما تحقق مجمل الشروط السابقة، فكونها عقيدة مركزية واحدة، وحظوتها بنخبة رشيدة، وامتدادها في عمق الجماعة، واتحادها بالمصلحة، وتحققها في نظام اجتماعي متماسك ..
كل ذلك جدير بأن يُكسِب الفكرة القوة التعصيبية اللازمة، وهو عام في أصل أية كينونة حضارية. بيد أن الحضارات تفترق وراء ذلك في قيمها بين الجماعية والفردية، وأيًا كانت المنطلقات النظرية للحضارة، فإنها مهدَّدَة بالتآكل والتفكّك إذا لم تحرص على خلق الحس الجماعي، وتعزيز الشعور بالولاء لدى الأمة، وقد استعانت الحضارة الإسلامية لبلوغ هذا المأرب بتأييد أخلاقيات الرعاية والطاعة وزرع واجب الولاء للأمة والفكرة الإسلامية، في حين أن الحضارة الغربية التي أطلقت الحريات وعزّزت الفردية شجعت الأخلاق الجماعية عن طريق النفعية المتبادلة، وما سموه بالأخلاق العملية، واحترام النظام، واكتساب المجد في خدمة الوطن القومي. ما يعني أن الفكرة الحضارية لا تكون إلا مُعصِّبة، وأن الحضارة لا تقوم إلا على الحسّ الجماعي لا على الفردية بأية حال (?). وبما أن مكاسب المدنية، والوفرة،