إن الفكرة الحضارية (?) ليست فكرة استثنائية فريدة، أو قيمًا ومبادئ مجردة، وإنما هي: فكرة حية وعقيدة مفسِّرة للحياة، تتجسد في صفوة قوية أمينة، وتمتد في عمق الأمة، وتتحقق في نظام اجتماعي متكامل يفرضها مصدرًا للقيم، وقوة لإدارة الواقع، وطاقة معصِّبة تجمعها في وجه التحديات، وتحركها نحو هدف واحد ومصالح مشتركة، وتدخلها بذلك طور الفعالية التاريخية. ولن تستطيع الفكرة أن تتحول إلى قوة محركة ما لم تحقق جملة من الشروط:
- أن تكون فكرة وجودية تحمل تفسيرًا كليًا للحياة والعالم، ونسقًا متكاملاً من الغايات والوسائل والمواقف تستغرق تفاصيل الحياة كلها.
- الشمول والاستغراق، فعلى قدر شمول الفكرة واستغراقها للعناصر الضرورية في الحياة الإنسانية تمد سلطانها، وتَستنزِف الفكرةُ طاقتها سريعًا بقدر تخلّيها عن فئات من تلك العناصر أو إغفالها لها، لأنها بذلك تخلّ بالتوازن الشرطي، أو الولاء الرضائي، أو المصلحي، الذي ينبغي للفكرة أن تضمنه بين أطراف الثنائيات المتعاكسة (?).