أو الترجيح، ونحن إذ نعتبر التقويم الكيفي شرطًا، فإننا ننوه بضرورة وعي هذه المخاطر، والتفاعل معها بما يغنيها ويستثمر التنوع فيها.
إن البحث في قضية الدور الحضاري، وتقويم الحضارات، والأفضلية يضعنا في مواجهة فكرة "الحضارة العالمية" أو ما اصطُلح على تسميته مؤخرًا بـ"العولمة". فالتفوق يحرّض شهوة الغلب ويغري بالتوسع، والتوسع يعني تخطي الآخر الأضعف وامتصاص ممانعته، ويملأ الوجودُ المتوسعُ أيَّ فراغ يسمح به الضعيف، ويسعى من خلاله لإحكام السيطرة. والتاريخ ينبئنا بأن بعض الحضارات حققت عالميتها في محيطها التاريخي، وأن بعضها الآخر لم يتأتّ له ذلك، بل لعله لم يمتلك الدوافع الداعية لتحقيقه، كالحضارة الصينية مثلاً! وقد مرّ على التاريخ سلسلة من الحضارات العالمية تعاقبت على الدور الحضاري، وكان لكل منها خصوصيتها وطريقتها في التعبير عن عالميتها؛ كالحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. وترتكز طموحات العالمية على ثلاثة مصادر للسيطرة: القوة، والمال، والمعرفة. ما يسمح بثلاثة أشكال للتوسع والعالمية: التوسع العسكري، والتوسع الاقتصادي، والتوسع الثقافي. وهذه الخيارات تتقاطع ويعين بعضها على بعض. وتتحدد استجابة الأمم الضعيفة لهذه التحديات بقوتها الذاتية وتماسكها الداخلي، وقد حدث أن ذابت أمم في مستعمرِها، وفنيت فيه ماديًا أو معنويًا، كما حدث للهنود الحمر في أمريكة، وهو ما عبر عنه توينبي بأنه "الانقراض بطريقة