لقد أشار القرآن الكريم إلى بعض الحكم والأسرار الكامنة في ورود المحكم والمتشابه في القرآن الكريم في هذه العبارة: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ....
فتضمن هذا النص حكما علمية وعملية توسع العلماء في بحثها، نورد نبذا منها فيما يلي:
أولا: أن الله سبحانه احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فخرهم ورياستهم بالبلاغة وحسن البيان، والإيجاز والإطناب، والمجاز والكناية، والإشارة والتلويح، وهكذا فاشتمل القرآن كذلك على هذه الفنون.
ثانيا: أنزله الله سبحانه اختبارا ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالمه فيعظم به ثوابه، ويرتاب به المنافق فيستحق العقوبة، ولم يضرهم جهلها ولو افتقروا إلى علمه لم يطوه عنهم، كما اختبر قوم طالوت بالماء فقال: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ، فكما جاز ترك الأغراض في هذا وأن لا يقال ما العلة في هذا، فكذلك يؤمر بالمتشابه، ولا يقال: لم لم يكشف معانيها ولم يوضحها.
ثالثا: أنزل المتشابه لتشغل به قلوب المؤمنين، وتتعب فيه جوارحهم وتنعدم في البحث عنه أوقاتهم، ومدد أعمارهم، فيحوزوا من الثواب حسبما كابدوا من المشقة، والأثرة له على غيره مما يعمل لربه، كما تعبدهم بالصلوات، والصيام، والحج من المنازل إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وغيرها من الشرائع.
وهكذا كانت المتشابهات ميدان سباق تنقدح فيه الأفكار والعلوم لما ذكرنا من الحكم في ورودها في القرآن (?).