قال تعالى في أول سورة هود: الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ.
فوصف الله تعالى القرآن بأنه كِتابٌ عظيم الشأن جليل القدر، وعبر بالإحكام في قوله: أُحْكِمَتْ عن الإتقان للإشارة إلى أنه متكامل العظمة من الناحية الإيجابية بإتقانه البالغ، نظما ومعنى ومن الناحية السلبية فلا يتطرق إليه دخل ولا خلل لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.
كذلك وصف القرآن كله بأنه متشابه، في قوله تعالى في سورة الزمر (?):
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ. ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.
فقد جاء مدح القرآن هنا بأنه متشابه أي يشبه بعضه بعضا في الحسن والإعجاز، ويصدق بعضه بعضا مَثانِيَ يردد فيه القول، أو يذكر الشيء وضده، كذكر المؤمنين ثم الكافرين، وكصفة الجنة ثم صفة النار، وهكذا ...
وليس موضوع هذا البحث تفصيل أوجه الإحكام والتشابه اللذين وردا فيما سبق، وإنما موضوع البحث وصف القرآن حسبما ورد النص فيه صراحة في سورة آل عمران في هذه الآية من مطلعها:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.