كُتُباً، فأكبُّوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألْبس كتاب الله بشيء أبداً، فترك كتاب السُنن» (?).
والخلفاء الراشدون لم يتشدَّدُوا في أمر الكتابة وحدها، بل بلغ بهم الورع أنْ راحوا يتشدّدُون حتى في الرواية، فلم يعط أبو بكر الجدَّةَ سُدُسَ الميراث إلاَّ بعد أنْ شهد المغيرة بن شُعبة ومحمد بن مسلمة أنَّ الرسول أعطاها السُدُس (?)، ولم يتساهل عمر مع أبي موسى الأشعري حين روى حديث الاستئذان، بل هدّدَهُ بتغزيره إنْ لم يشهد أحد من الصحابة على صحة سماعه، وقال له: «أقم عليه البيِّنَةَ وإلاَّ أوجعتك» (?).
فإذا رأينا كلاً من أبي بكر وعمر - بعد هذا - يكتبان الحديث أو ينصحان بكتابته (?)، وأنَّ كَثِيرًا من كبار الصحابة في عصرهما كانوا كذلك ينصحون بالكتابة ويأمرون بها أمراً صريحاً، أدركنا علة ذلك التشدُّدِ الذي وصفناه قبل، وثبت لنا - كما قال إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية البصري (- 200 هـ) -