دَوْسٍ!» حتى إذا روى له أبو هريرة قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» أَقَرَّهُ على رواية الحديث وَقَالَ: «أَمَّا إِذَنْ فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ».

وقد لاحظ شعبة بن الحجاج أن أبا هريرة يروي عن كعب الأحبار ويروي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ رِوَايَتَيْهِ، فرماه «بالتدليس»، ولكن بُسْرَ (*) بن سعيد لا يطمئن إلى قول شعبة في أبي هريرة، فرده بقوة قائلاً: «اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، ثُمَّ يَقُومُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، [وَيَجْعَلُ] حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». فإذا كان ثمة تدليس فليس صادرًا عن أبي هريرة نفسه، وإنما كان يصدر عن الذين يَرْوُونَهُ عَنْهُ. وحسبنا أن الامام الشافعي كان يقول: «أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ» وأن سَالِمًا أَبَا الزُّعَيْزِعَةِ، وَالِي مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ وَكَاتِبَهُ يَرْوِي: «أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ دَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَأَقْعَدَهُ خَلْفَ السَّرِيرِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَجَعَلْتُ أَكْتُبُ، حَتَّىَ إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلاَ نَقَصَ، وَلاَ قَدَّمَ وَلاَ أَخَّرَ».

وقد روى أبو هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن أبي بكر وعمر وعثمان وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وأسامة بن زيد وعائشة وسواهم من الصحابة. ويجاوز عدد الذين رَوَوْا عنه ثمان مائة رجل بين صحابي وتابعي، فيهم من علماء الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وفيهم من علماء التابعين سعيد بن المسيب وابن سيرين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015