سنة 207هـ أو سنة 209هـ.
وقد تيسر للواقدي أن يأخذ العلم من أفواه الرعيل الأول من الرواة والحفاظ أمثال مالك بن أنس إمام أهل المدينة، وسفيان بن سعيد الثوري، ومعمر بن راشد، وكان معاصرًا لمحمد بن إسحاق صاحب " السيرة " المشهورة، إلا أنه كان أصغر منه سِنًّا، ويعدونه الثاني بعد ابن اسحاق في سعة العلم بالتاريخ والسير والمغازي والفتوح. لكن أكثر علم الواقدي بالمغازي جاءه من نجيح السندي المعروف باسم أبي معشر السندي المتوفى سنة 170هـ ببغداد، وقد استقدمه الخليفة المهدي معه إلى بغداد حين جاء يزور المدينة وسمع بعلمه وفضله. ومع أن الحفاظ والنقاد يطعنون في بعض روايات أبي معشر هذا لكثرة ما يرويه من المناكير، كانوا يتفقون على بصره بالمغازي وخبرته التامة بسيرة النبي وبالفتوح. حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: «أَبُو مَعْشَرَ بَصِيرٌ بِالمَغَازِي».
لا عجب إذن إذا طبقت كتب الواقدي في الطبقات والتاريخ والمغازي شرق الأرض وغربها كما يقول الخطيب البغدادي في ترجمته، فإنه تلقى كل ما يتعلق بتفصيلاتها وجزئياتها الدقيقة من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ومن الموالي، ومن الرواة والعلماء، ومن أبي معشر صاحب المغازي أولاً وبالذات، ثم إنه ما علم غزوة إلا مضى إلى الموقع الذي وقعت فيه أحداثها ليعاينه بنفسه ويراه ويحسن وصفه ويتقصى أبسط الأخبار فيه.
ولا يعنينا من تآليف الواقدي التي زعموا أنها بلغت ست مائة قِمَطْرٍ من الكتب حُمِلَتْ على عشرين ومائة وَقْرٍ أو «حِمْلِ» -