يفسر بعض الباحثين المعاصرين هذا الموقف العجيب أدق تفسير وأوفاه حين يقول: «ولكن ذلك - أي الاحتجاج بالحديث - لم يقع كما ينبغي، لانصراف اللغويين والنحويين المتقدمين الى ثقافة ما يزودهم به رواة الأشعار خاصة، انصرافًا استغرق جهودهم، فلم يبق فيهم لرواية الحديث ودرايته بقية، فتعقلوا لعدم احتجاجهم بالحديث بعلل، كلها وارد بصورة أقوى على ما احتجوا به هم أنفسهم من شعر ونثر» (?).

لِمَاذَا مَنَعُوا الاِحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ؟:

وأقوى ما تَعَلَّلَ به مانعو الاحتجاج بالحديث أنهم لم يثقوا بأن تلك المرويات المتعددة المتكاثرة كلها من لفظ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفصح العرب قاطبة، و «إنما ترك العلماء ذلك - كما يقول أبو حيان الأندلسي - لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية» (?). ويفسر أبو حيان موقف المانعين بأمرين: أحدهما تجويز الرواة نقل القصة الواحدة بألفاظ مختلفة مع أن النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لم ينطق بتلك الألفاظ جميعًا، وإنما أتى أولئك الرواة بالمرادف ولم يأتوا باللفظ النبوى الفصيح (?)، والآخر وقوع كثير من اللحن فيما روي من الحديث «لأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرُّوَاةِ كَانُوا غَيْر عَرَبٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015