لَنَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَعُنَا وَتُقْبِلُ عَلَى الأَشْعَارِ! " لَكِنَّ شُعْبَةَ يُجِيبُهُمْ فِي غَضَبٍ شَدِيدٍ: " يَا هَؤُلاَءِ، أَنَا أَعْلَمُ الأَصْلَحَ لِي، أَنَا، وَالذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فِي هَذَا أَسْلَمُ مِنِّي فِي ذَاكَ "» (?).
وإنما كان الرواة في إقبالهم على الأشعار أسلم منهم في انكبابهم علي الأحاديث، لأنهم - عند رواية السُنَّةِ - تغلب عليهم صفة «التحديث» التي تستدعي التحقيق والتدقيق، فيعنون بألفاظ المتون (?) عنايتهم بسلسلة الأسانيد، وهم في رواية الأشعار أيضًا يفضلون الدقة البالغة والحذر الشديد، ويتأثرون من غير أن يشعروا بصفة «التحديث» إلا أنهم لا يستسلمون أمامها استسلامًا مطلقًا، فإن لهم في الأعاريض لمندوحة عن الكذب، كما قال الصحابي عمران بن حصين عندما قدم البصرة وأكثر فيها من رواية الأشعار بدلاً من الأحاديث، مع أنه كان يقسم: إنه لو شاء لحدث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومين متتابعين (?)!.
أفلا تعجب - بعد هذا كله - كيف احتج معظم النحاة المتقدمين برواية الأشعار، ورفضوا الاحتجاج بالحديث؟ ألا تأخذك الدهشة وأنت تراهم يقبلون على الروافد الصغيرة ويتركون النبع مهجورًا؟.
لا نقول: إن رواة الأخبار الأولين كانوا كذابين أو وضاعين، بل لا نقول: إنهم جميعًا في رواية الأشعار كانوا متساهلين، وما نظن