ولقد تحدث الإمام الشافعي في " رسالته " (?) عما سَنَّهُ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما ليس فيه نص قرآني، فأداره على أربعة وجوه ترتد كلها إلى الإقرار بوجود زيادة في السنة على ما في الكتاب، وَأَوْشَكَ - وهو يعلل مصدر هذه الزيادة ومدى حجيتها في التشريع - أَنْ يُرَجِّحَ الوجه الثاني الذاهب إلى أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - «لَمْ يَسُنَّ سُنَّةً قَطُّ إِلاَّ وَلَهَا أَصْلٌ فِي الكِتَابِ كَمَا كَانَتْ سُنَّتُهُ لِتَبْيِينِ عَدَدَ الصَّلاَةِ، وَعَمَلِهَا عَلَى أَصْلِ جُمْلَةِ فَرْضِ الصَّلاَةِ، وَكَذَلِكَ ما سَنَّ مِنَ البُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (?) وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (?) فَمَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ عَنْ اللهِ كَمَا بَيَّنَ الصَّلاَةَ» (?).

ويخيل إلينا أن المذهب الأخير هو أصوب المذاهب لدى توضيح مكانة الحديث في التشريع، فإنه يوفق بغير تكلف ولاتعسف بين اشتمال القرآن على كل شيء، وتبيانه كل شيء، وأن الله لَمْ يُفَرِّطْ فيه من شيء، وَبَيَّنَ إثبات السنة أحكامًا لم يثبتها القرآن ولم ينفها مع أن أصولها الأولى واردة في القرآن، وإن هذا المذهب المعتدل ليأذن لنا دون تردد، بتسمية الحديث «الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام»، ولا علينا بَعْدُ أَنْ يُعَدَّ هذا الأصل عند بعضهم مستقلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015