والدقة واضحة في هذه المقاييس، فمن كذب مرة واحدة لا يقبل حديثه، ولا يؤخذ الحديث عن غلاط لا يرجع عن خطئه، وَأُذُنُ المحدثين مرهفة لا يفوتها التصحيف ولو كان تصحيف سمع لا تصحيف نظر مثل أكيل وبكير. والتحفظ في الجرح أشد منه في التعديل، لأن المقاييس - على نزعتها الإنسانية السمحة - يجب أن تحجز الناس عن الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا بد من الشدة مع الجميع حتى يؤمن الخطأ والعثار.

أما المتون فكل ما ذكروه في علامات الوضع يتعلق بها ويدور عليها: فاللحن والركة، ومخالفة العقل أو الحس، والمجازفة بالوعد والوعيد، ومزج الكلام البليغ الفطري بعبارات معقدة من عبارات الأصوليين أو المتكلمين (?)، واختلاق الأحاديث تقربًا إلى الطبقة الحاكمة، كلها مباحث تتعلق بالمتن المروي من حيث إدخال أشياء عليه لا تليق بالنبي.

ومن ذلك إدراج بعض العبارات التي يستحيل صدورها عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كتمنيه الرق في حديث أبي هريرة، ومنه الاعتقاد بأن قلب الحديث عَمْدًا من الكذب، والاعتقاد بأن بقاء التعارض بين حديثين مستحيل، فإما أن يحملا على نسخ أحدهما للاَخر أو تفصيله أو تخصيصه.

إن كل هذا يشير إلى نتيجة واحدة لا مراء فيها: هي أنه إذا كان لا بد من الاختيار بين السند والمتن أيهما تدور عليه مباحث المحدثين، فإنه المتن بلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015