بأسانيد متعددة ورجال كثيرين، فكانت مقاييسهم فيها قيمية، لا كمية عددية، فلا بدع إذا كانت الشهرة نسبية، ولا غرو إذا اشتهرت متون أحاديث عند الفقهاء، وعليها طابعهم، واشتهرت متون عند العامة وعليها ألفاظهم، وعند الصوفية، وبدت موضوعة غالبًا لتأييد أهوائهم.

ولعلنا - على هذا الأساس من العناية الخاصة بالمتون - نفهم تشدد القوم في الأصول أكثر من تشددهم في المتابعات والشواهد، فالأصول ينبغي لها من الثقة بمتونها أكثر مما ينبغي للفروع المقوية للفظها أو المعززة لمعناها، ونفهم أيضًا سر رفضهم متروك الحديث عند الاعتبار، لأن من صفات المتروك عدم الضبط، فحفظ المتون لا يواتيه مهما يبذل من الجهد فيه، فكان أن فرقوا بين صالح للاعتبار وغير صالح. وإذا تذكرنا أن الشاهد عندهم على قسمين: لفظي ومعنوي، وأن اللفظي يتناول متن الحديث نَصًّا، وأن المعنوي يرد إليه لأنه تقوية للمتن نفسه بما يقارب لفظه، وأضفنا إلى ذلك أن في المتابعة أيضًا مقاربة للفظ، أدركنا ما للمتن من قيمة في جميع هذه المصطلحات.

ونحن إلى هذا الحد ليس وراءنا دافع يسوقنا إلى أن نرد للمتن كل مبحث يتعلق بالإسناد، فقد أسلفنا أن الثنائية المؤلفة من المتن والإسناد، بهذا القيد الثنائي، هي التي كانت تسود جميع مسائل هذا الفن، ولا نريد أَبَدًا أن نقلل من شأن الإسناد، فنحن لا نشك ولا نحسب مُنْصِفًا يشك في أن التشدد في الأسانيد ليس عيبًا جسامًا يلام عليه علماؤنا الأخيار، ما دام لا يقصد لذاته، بل للغاية التي أنشأوا لدراسته من أجلها: ألا وهي تمييز الصحيح من الموضوع وترتيب الأحاديث على درجات متفاوتة ليتمكن العلماء من الاستفادة منها في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015