خُذْ عَنِ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا، وَلاَ تَأْخُذْ عَنِ الذِينَ مَالُوا» (?). وعلى هدي هذه الوصايا، مضى طلاب الحديث يتخيرون الشيوخ إذا تباينت أوصافهم (?)، فكانوا يُقَدِّمُونَ السماع من الأمناء، ويكرهون النقل والرواية عن الضعفاء (?)، وَيُرَجِّحُونَ الأخذ عمن علا إسناده وقرب من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معتقدين أَنَّ «قُرْبَ الإِسْنَادِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ» (?)، وحين لا يتيسر لهم الإسناد القريب إلى النبي نفسه يطلبون أقرب الأسانيد إلى الصحابة أو التابعين أو الأئمة الأعلام، واثقين أن العلم في تلك العصور الذهبية كان «غَضًّا طَرِيًّا، وَالارْتِسَامُ بِهِ مَحْبُوبًا شَهِيًّا، وَالدَّوَاعِي إِلَيْهِ أَكْبَرُ، وَالرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرُ» (?). واهتمامهم بالأسانيد العالية لم يكن ينصرف إليها لذاتها، بل لما يترتب عليها من قوة الظن بصحة متونها، فما يقيمون وزنًا لإسناد عَالٍ إذا شَكُّوا في رجاله لأن ضعف رجال الإسناد سَيُؤَدِّي ضرورة إلى ضعف المتن المروي، لذلك فَضَّلُوا النزول عن الثقات على العلو عن غير الثقات (?) وأنشدوا مع أبي بكر بن الأنباري (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015