النقد عند المُحَدِّثِينَ من المادة نفسها التي احتوى عليها كتابنا، ولم نُبِحْ للقلم آنذاك أنْ يتلمس هذه المقاييس من كتب أخرى ينسخها ويسجلها وينقلها من مكان إلى مكان، فلقد اتضحت معالم الطريق أمام القارئ وبات يتوقع النتيجة الطبيعية التي لا مناص من الاعتراف بها: ألا وهي تَبَوُّؤُ مصطلح الحديث أسمى مكان في فلسفة المصطلحات على اختلاف العصور.
وإننا الآن على يقين أَنَّ القارئ العربي الذي لا يفرض على عقله أَنْ يعيش غَرِيبًا فِي أُمَّتِهِ، «مُسْتَعَارًا» في ثقافته وطريقة تفكيره. سوف يمضي من تلقاء نفسه - بعد اقتناعه بدقة المصطلح - إلى دراسة علم الحديث رواية، فَلَيَقْرَأَنَّ الكتب الصحاح، وَلَيُغَذِّيَنَّ بها ثقافته اللغوية والأدبية، وَلَيَجِدَنَّ فيها مرآة صادقة لعصر النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، مرآة تُعَبِّرُ عن حياة هذا الرسول العظيم ومكارم أخلاقه، وإرشاده أصحابه إلى بناء مجتمع مثالي يقوم على الحق والخير والجمال.
وفي الحديث - بلا ريب - جوانب أخرى جديرة بالعرض والدراسة لَمْ نَتَصَدَّ قط لخروجها عن نطاق بحثنا الأساسي، وأوجزنا الكلام في بعضها الآخر لضيق المقام، وأومأنا في طائفة ثالثة منها إلى الخطوط الرئيسية وأمهات المصادر لتضع الباحث في أول الطريق.
ومن المباحث التي تركناها «البلاغة النَّبَوِيَّةِ» فإنها جديرة بأبحاث طوال لو عرضنا لها في هذا الكتاب لأدخلت عليها عُلُومُ الحَدِيثِ الضَّيْمَ،
[م]