1- أن يكون الغرض إثبات المعنى في نفسه للفاعل من غير اعتبار عمومه وخصوصه ولا اعتبار تعلقه بمن وقع عليه، وحينئذ يكون المتعدي بمنزلة اللازم فلا يذكر له مفعول لئلا يتوهم السامع أن الغرض الإخبار به، باعتبار تعلقه بالمفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان يعطي الدنانير, كان المقصد بيان جنس المعطي لا بيان كونه معطيا، ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء، ولا يدري ما معطاه، كما لا يقدر له مفعول أيضا؛ لأن المقدر في حكم المذكور، وهذا الضرب نوعان:

أ- أن يجعل الفعل حال كونه مطلقا عن اعتبار العموم والخصوص كناية1 عنه متعلقا بمفعول مخصوص, بدلالة سبق ذكرا أو دليل حال إلا أنك تنسيه نفسك, وتوهم أنك لم تذكر الفعل إلا لأن تثبت معناه من غير أن تقصد تعديته إلى مفعول مخصوص، وعليه قول البحتري يمدح المعتز بالله ويعرض بالمستعين بالله:

شجو حساده وغيظ عداه ... أن يرى مبصر ويسمع واع2

فالمعنى المراد أن يرى مبصر آثاره ويسمع واع أخباره، ولكنه أغفل هذين المفعولين وأبعدهما عن وهمه3 ليتسنى له أن يبين أن محاسن الممدوح قد ذاع صيتها واشتهر أمرها فلا تخفى على ذي بصر وسمع، فيكفي في معرفة أنها سبب في استحقاقه الإمامة دون غيره أن يقع عليها بصر ويعيها سمع حتى يعلم الرائي والسامع أنه لا يليق لمقام الخلافة غيره، ومن ثم ترى الحساد والعدا يتمنون ألا توجد عين تبصر ولا أذن تسمع لنخفي هذه الفضائل فيجدوا إلى منازعته فيها سبيلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015