ونحوه قوله عز اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 1، شبه مطلق استعلاء بمطلق ظرفية بجامع التمكن في كل، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف فاستعير لفظ "في" الموضوع لجزئي من جزئيات الظرفية لمعنى على الموضوع للاستعلاء على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومدار قرينة الاستعارة التبعية في الأفعال والصفات المشتقة منها على نسبتها إلى الفاعل نحو: نطقت الحال بكذا، أو إلى المفعول الأول كقول ابن المعتز:
جمع الحق لنا في إمام ... قتل البخل وأحيا السماحا
فالذي دل على استعارة قتل وأحيا، إنما إسنادهما إلى البخل والسماح، إذ لو قال: قتل الأعداء وأحيا الأحياء، لم يكن هناك سبيل للاستعارة فيهما، أو إلى المفعول الثاني، كقول القطامي:
لم تلق قوما هم شر لإخوتهم ... منا عشية يجري بالدم الوادي
نقريهم لهذميات نقد بها ... ما كان خاط عليهم كل زراد 2
فإسناد القرى إلى اللهذميات قرينة على أن نقريهم استعارة، أو إلى المفعولين الأول والثاني، كقول الحريري:
وأقرى المسامع إما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا3
فإن تعلق أقوى بكل من المسامع والبيان دليل على أنه استعارة، أو إلى المجرور، نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 4، فذكر العذاب دليل على أن بشر استعارة تبعية تهكمية.
"تنبيهات" أولها: كما تكون المصرحة أصلية وتبعية تكون المكنية كذلك5.
ثانيها: إنما سميت الاستعارة في القسم الثاني تبعية؛ لأنها تبعية لاستعارة أخرى إذ هي في المشتقات تابعة لجريانها في المصدر أولا، كما أن معاني الحروف جزئية لا تتصور الاستعارة فيها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية ليتأتى كونها مشبها ومشبها بها فلا بد من إجراء التشبيه أولا في متعلق معاني الحروف، ثم تتبعها الاستعارة في المعاني الجزئية.
ثالثها: قال السكاكي: لو لم يجعلوا في الفعل والحرف استعارة تبعية بل جعلوا في مدخولهما استعارة مكنية بقرينتهما كما فعلوا في: أنشبت المنية أظفارها، لكان أقرب للضبط.