وكلما كان عمل الخيال أكثر، كانت صورته أعجب، والنفس به أطرب، ولن نجد تلك الروعة وذاك الجمال في تشبيه المحسوسات بعضها ببعض، فتشبيه ابن المعتز للشمس بالدرهم المضروب في قوله:
وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب
وللهلال بالزورق من الفضة التي حمولته من عنبر في قوله:
فانظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
أقل جمالا من ذاك الذي تقدم، وليس له في النفس أريحية، ولا تأخذها منه هزة، والتشبيهات المستعملة، في العلوم والفنون، ما هي إلا وسيلة من وسائل الإيضاح لكشف ما يخفى من الحقائق.
قال صاحب "الصناعتين": والطريق المسلوكة والمنهج القاصد في التمثيل عند القدماء والمحدثين, تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والحسن بالشمس والقمر، والسهم الماضي بالسيف، والعالي الرتبة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالجماد، واللئيم بالكلب.
وشهر قوة بخصال محمودة، فصاروا فيها أعلاما، فجروا مجرى ما قدمناه كالسموءل1 في الوفاء، وحاتم في السخاء، والأحنف2 في الحلم، وسحبان في البلاغة، وقس3 في الخطابة، ولقمان4 في الحكمة.
وآخرون بأضدادها فشبه بهم في حال الذم، كباقل5 في العي، وهنقة6 في الحق، والكسعي7 في الندم، ومادر8 في البخل.
يوجد صورة سكانر