وعلة ذلك أنك إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه، وسلطت الكلية على النفي وأعملتها فيه, وذلك يقتضي ألا يشذ عنه شيء.
أما إن قدم النفي على أداة العموم لفظا، كقول أبي الطيب:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن1
أو تقديرا بأن قدمت أداة العموم على الفعل المنفي وأعمل فيها، كقولك: كل الدراهم لم آخذ، توجه النفي إلى الشمول خاصة دون أصل الفعل، وأفاد الكلام نفي المجموع "سلب العموم" فيحتمل ثبوت البعض، كما يحتمل نفي كل فرد، يدل على ذلك الذوق والاستعمال، وهذا الحكم أكثري، وليس بكلي، بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} 2، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ 3 فَخُورٍ} 4، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} 5. إلى غير ذلك.