ولهذا خلص إلى القول (?): «وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا واحدا، وسبك سبكا واحدا، فهو يجري على اللسان كما يجري الدّهان».

3 - سلامته من التعقيد اللفظي:

رأى البلاغيون أن التعقيد اللفظي يعني أن يأتي الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع في نظمه وتركيبه، بحيث لا يأتي رصف الألفاظ وفق ترتيب المعاني، وسبب ذلك اعتماد الفصل بين كلمات توجب اللغة عدم الفصل بينها، وتأخير الألفاظ عن مواطنها الأصلية لغرض غير بلاغي. ونقدم مثالا على التعقيد اللفظي قول الفرزدق (?) (الطويل):

وما مثله في الناس إلا مملّكا … أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه

فضرورة الوزن حملته على التعقيد، ففصل بين البدل (حيّ) والمبدل منه (مثله)، وقدّم المستثنى (مملّكا) على المستثنى منه (حيّ)، وفصل بين المبتدأ والخبر (أبو أمه أبوه) بأجنبيّ وهو (حي)، وبين الصفة والموصوف (حي يقاربه) بأجنبي هو (أبوه). ورصف البيت ونظمه بحسب المعاني هو: ليس كالممدوح في الناس حيّ يقاربه في الفضائل إلا ملكا، أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح. لذلك كان على القارئ أو السامع أن يطلب المعنى بالحيلة، وأن يسعى إليه من غير الطريق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015