الجاهلية يبغون، ويقولون: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، فهذا الضرب: ناس بالصورة، وشياطين بالحقيقة، وجلهم إذا فكرت لها حمير أو كلاب أو ذئاب، وصدق البحتري في قوله:
لم يبق من جل هذا الناس باقية ... ينالها الوهم إلا هذه الصور
وقال آخر:
لا تخدعنك اللحاء والصور ... تسعة أعشار مَن ترى بقر
في شجر السِّدْر منهم مثل ... لها رواء ومالها ثمر
وأحسن من هذا كله قوله تعالى: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة}، عالِمهم كما قيل:
زوامل للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير -إذا غدا ... بأوساقه أو راح- ما في الغرائرِ
وأحسن من هذا وأبلغ وأوجز وأفصح قوله تعالى: {كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}) اهـ.
(الناس حميعًا مؤمنون وكفار لا بد لهم من مراد يقصدونه، ويتوجهون إليه، على ذلك فطرهم الله، فالإنسان دائم الهم والإرادة، دائب العمل والحركة، ولذلك كان "أصدق الأسماء: حارث، وهمام" كما ورد في الحديث (?)، لأن كل إنسان حارث: بمعنى