العلم صناعة القلب وشغله فما لم تتفرغ لصناعته وشغله لم تنلها، وله وجهة واحدة، فإذا وُجَّهَتْ إلى اللذات والشهوات انصرفت عن العلم، ومن لم يُغَلِّبْ لذةَ إدراكِه العلمَ وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه؛ لم ينل درجة العلم أبدًا، فإذا صارت شهوته في العلم، ولذته في إدراكه؛ رجي له أن يكون من جملة أهله، ولذلك كان علماؤنا -رحمهم الله تعالى- يحرصون على العلم وجمعه حرصًا ليس له نظير، وهاك أمثلة من ذاك:
* عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار -هو أوسُ بن خَوَليِّ الأنصاري- في بني أمية بن زيد -أي: ناحية بني أمية-، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوَبُ النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلتُ جئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك).
* وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار: "هلم فلنسألْ أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير"، فقال: "واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحَاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَن فيهم؟ "، قال: "فتركت ذاك، وأقبلتُ أسأل أصحابَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، يسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم