وإراقة الدماء على جدرانها، والتمسح بها، وحمل ترابها تبركا والسجود لها وتقبيلها، واستلام أركانها، والطواف حولها، والنذر لأهلها، وتعليق الآمال بهم، والتوسل إليهم بالله ليقضوا لسائليهم الحوائج، كما يزعمون، فيقولون عند زيارتهم: (قدمت لك وجه الله يا سيدي فلان، إلا ما قضيت لي حاجتي)، جاعلين الحق سبحانه وتعالى وسيلة تقدم إلى أولئك المقبورين للتوصل إلى نيل أغراضهم.

مع أن الميت قد انقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف لمن استغاث به أو سأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، واستعانة ذلك الميت وسؤاله لم يجعلهما سبحانه سببا لإذنه، وإنما السبب في إذنه كمال التوحيد فجاء هذا بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجته بما يمنع حصولها، على أن الميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له، كما أوصانا النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس أولئك القبوريون هذا وزاروهم زيارة العبادة لقضاء الحوائج والاستعانة بهم، وجعلوا قبورهم قريبة من أن تصير أوثانا تعبد، وقد شاع هذا بين المسلمين وذاع، وعم كل ما يستوطنون به من البقاع.

وقال أخوه العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن اليمني الناصري الجعفري الرباطي، (المتوفى سنة: 1391هـ) في "ضرب نطاق الحصار على أصحاب نهاية الانكسار" (ص66 - 67 - 68) متحدثا عن فرق المعتزلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015