اعتبر اللغويون أي خروج على الضوابط القديمة غير جائز في لغة الشعر، وحاول الشعراء دراسة النحو، ومنهم من تعمق هذه الدراسة وأظهر ذلك عن عمد في شعره. آمن شعراء العربية الفصحة بأن اللغة القديمة أي اللغة التي سجلها النحاة هي المثل الأعلى، فكل الصيغ التي جاءت من عصور الاحتجاج صحيحة وجديرة بالاحتذاء، ومنها صيغ نادرة جاءت في أبيات مفردة فقدت قصائدها وسجلها النحاة. وهناك عدد من الصيغ اعترف الكوفيون وحدهم بصحتها، ولم يعرفها أو يعترف بصحتها البصريون. وهنا ظهرت أهمية الثقافة اللغوية والإعداد النحوي للشاعر، والمتنبي من أوضح الأمثلة على هذا.

فقد حاول أن يظهر في شعره براعته اللغوية، وكأنه كان يستعرض معرفته بالمعجم القديم وهو يتفاصح بالنادر والغريب، ويثير ثائرة النحاة ليثبت بعد ذلك صحة ما قال من الناحية اللغوية. استخدم المتنبي صيغة الجمع "آخاء" جمعًا لكلمة "أخ" لأنه عرف أن هذه الكلمة استخدمت في بيت من الشعر القديم1.

وقد أثار المتنبي غضب أنصار المذهب البصري ليثبت لهم بعد هذا أنه على صواب، أي: سداس، متحديًّا بذلك ضوابط النحاة إذ إنهم أجازوا وزن فعال من العدد واحد إلى العدد أربعة، ورفضوا قياس هذا الوزن من الأعداد الأخرى2. وكان المتنبي يعلم أن بعض اللهجات القديمة استخدمت كلمة "التوراب" بدلا من كلمة التراب، ولذا استخدم هذه الكلمة النادرة3. ولهذا كله فقد اهتم به اللغويون، ولا نعلم شاعرًا عربيًّا في عصر المتنبي أو بعد عصره أثار انتباه اللغويين مثله. فقد كثرت الشروح اللغوية على ديوان المتنبي. ومن هذه الشروح: شرح العكبري، وشروح ابن جني، وشرح المعربي، وشرح التبريزي، وهكذا اهتم المتنبي بالصيغ القديمة النادرة، فأثار اللغويون واهتموا به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015