علم اللغه (صفحة 288)

وعلى العكس من ذلك الشعوب الهندية - الأوربية, حيث ينشط التفكير، ويعمق الإدراك، ويدق البحث، وتتجه العقول إلى التأمل الفلسفي، وتميل إلى تفسير ظواهر الكون والمجتمع الإنساني تفسيرًا علميًّا يربطها بأسبابها وقوانينها العامة؛ ففي مثل هذه الشعوب تكثر في اللغات الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، والتراكيب المعبرة عن الحقائق العامة, وتغزر أزمنة الأفعال1، وتطول الجمل، وتتعدد أجزاؤها، وتتنوع الروابط, وتختلف دلالاتها، فتتسع للتعبير عن دقيق الوجدان، وعميق الإدراك، وحقائق الفلسفة والعلوم.

هذا وإن ما تقدم ذكره في هذه الفقرة وفي معظم الفقرات السابقة من هذا الكتاب ليدلنا أوضح دلالة على ما للمجتمع ونظمه وحضارته واتجاهاته من آثار بليغة في نشأة اللغات2, وانتقالها من السلف إلى الخلف3, وانشعابها إلى لهجات ولغات4, وصراعها بعضها مع بعض5, وتطورها من جميع الوجوه6.

وقد بالغ جماعة من العلماء في تقدير هذه الآثار حتى كادوا ينكرون أن لغير الظواهر الاجتماعية أثرًا في شئون اللغة, ومن أشهر أفراد هذه الطائفة العلامة السويسري فرديناند دوسور7.Ferdinand عز وجلe Saussure

طور بواسطة نورين ميديا © 2015