علم اللغه (صفحة 106)

يتوقف في كثير من مظاهره على لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون1, فما يجعله أصحاب هذه النظرية منشأ للغة يتوقف هو نفسه على وجودها من قبل2. وفضلًا عن هذا كله, فإن هذه النظرية تغفل المشكلة الرئيسية التي تهمنا وحدها في هذا البحث, والتي وضحناها في صدر هذه الفقرة.

فلسنا هنا بصدد نظرية جديرة بالمناقشة، بل بصدد تخمين خيالي وفرض عقيم يحمل في طيه آية بطلانه, وقد ذهب المتعصبون له في تصوير منشأ اللغة مذاهب ساذجة غريبة, تدل أبلغ دلالة على مبلغ انحرافه عن جادة الصواب ونطاق المعقول؛ وإليك نبذة مما يقوله بعضهم بهذا الصدد: "إن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة, وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا, فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء, فيضعوا لكل منها سمة ولفظًا يدل عليه ويغني عن إحضاره أمام البصر. وطريقة ذلك أن يقبلوا مثلًا على شخص, ويومئوا إليه قائلين: إنسان، إنسان، إنسان، فتصحب هذه الكلمة اسمًا له، وإن أرادوا سمة عينة أو يده أو رأسه أو قدمه أشاروا إلى العضو وقالوا: يد، عين، رأس، قدم ... ويسيرون على هذه الوتيرة في أسماء بقية الأشياء وفي الأفعال والحروف وفي المعاني الكلية والأمور المعنوية نفسها3, وبذلك تنشأ اللغة العربية مثلًا, ثم يخطر بعد ذلك لجماعة منهم كلمة "مرد" بدل إنسان وكلمة "سر" بدل رأس ... وهكذا فتنشأ اللغة الفارسية ... "4.

النظرية الثالثة: تقرر أن الفضل في نشأة اللغة يرجع إلى غريزة خاصة, زود بها في الأصل جميع أفراد النوع الإنساني، وأن هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015