فلا بد من الاعتراف بهما معا في الحياة العملية مع التنسيق بينهما.
حقا إن التنسيق بينهما من الصعوبة بمكان ولكن التنسيق أمر لا مفر منه, ولقد استطاع الإسلام تحقيق ذلك التنسيق وذلك بإعطاء كل منهما قيمة مع ترجيح الغيرية بالجبر أحيانا والاختيار أحيانا أخرى ومع ترجيح الأنانية أيضا في الحالات ثم ترك حرية الترجيح لأحد الأمرين إلى ضمير الفرد في بعض الحالات في الحياة العامة.
وخلاصة القول: إن الإسلام اعتبر الفرد الحجر الأساس في المسئولية: مسئوليته عن نفسه ومسئوليته عن غيره وقد حدد له حقوقا وفرض عليه واجبات وترك له مجالا لحرية العمل يكافأ إن عمله ولا يعاقب إن تركه.
وأخيرا فإن المرء متى أدى واجباته الأخلاقية نحو نفسه أو غيره بروح من الإخلاص فإن سلوكه يعد سلوكا أخلاقيا، ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" 1, وقال أيضا: "على كل مسلم صدقة, قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق, قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف, قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير, قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة" 2.