طاعة الله وعبادته، فهو حدد صورة عبادته وطريقة تقديسه بالطريقة التي أراد أن يعبد ويقدس بها. ولست أدعي هنا أن العبادات لا تخضع لمنطق العقل بصورة عامة ولكني أدعي أنها لا تخضع لهذا المنطق في تفصيلاتها العملية والزمانية، وإذا كان هناك مجال لتدخل الإنسان هنا فهو في مجال النية ودرجة الإخلاص في هذه العباة أو تلك.

وقد ذهب الغزالي وابن عربي قريبا من هذا في هذه النقطة. فيقول الغزالي في صدد بيان مجال العقل: "فإن العقلاء بأجمعهم معترفون بأن العقل لا يهتدي إلى ما بعد الموت، ولا يرشد إلى وجه ضرر المعاصي ونفع الطاعات ولا سيما على سبيل التفصيل والتحديد كما وردت به الشرائع, بل أقروا بجملتهم أن ذلك لا يدرك إلا بنور النبوة وهي قوة وراء العقل يدرك بها أمور لا عن طريق التعرف بالأسباب العقلية", ولهذا يعود فيقول: "ولقد تحامق وتجاهل جدا من أراد أن يستنبط بطريق العقل لها حكمة. أو ظن أنها ذكرت على الاتفاق لا عن سر إلهي فيها"1, ويقول ابن عربي: "إن كل عمل لا يظهر له الشارع من وجهته تعليلا فهو تعبد، فتكون العبادة في كل عمل غير معلل أظهر منها في العمل المعلل فإن العمل إذا علل ربما أقام العبد إليه حكمة تلك العلة وإذا لم يعلل لا يقيمه إلى ذلك العمل إلا العبادة المحضة".

وهناك مجال آخر أقل تحديدا من المجال السابق وهو مجال التعامل الاجتماعي، فليس هنا تحديد زمني وحركي للسلوك كالأول، وكما أنه ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015