وقد قرر الإسلام عقوبات مختلفة بحسب الجرائم المرتكبة, وأعطى حق تنفيذ العقوبة للمجتمع منها عقوبة الزنا مثلا, فقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِين} 1، وقد طلب شهود جماعة هذا العقاب ليكون أوقع في نفس المجرم {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 2، {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 3.
وهكذا نرى أن العقاب حق المجتمع من جهة وحق الله من جهة أخرى، فحق المجتمع باعتبار المجرم قد تعدى على حرمات المجتمع؛ ولأن ضرر الجريمة لاحق بالمجتمع، والجريمة مرض في جسم المجتمع، فإذا لم يعالجه المجتمع فسينتشر فيه يوما بعد يوم حتى إذا عمه ذلك يستعصي على العلاج ويكون سببا لهلاك الجميع وهو يعتبر حق الله من جهة؛ لأن المجرم قد تعدى بجريمته حدود الله وعصى أوامره, فلله أن يجازيه في الدنيا والآخرة.
أما النوع الثاني من الجزاء فهو الجزاء الأدبي وهو عدم الاعتداد بشخصية الفاسق وعدم الثقة به، ولهذا لا تقبل شهادته {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 4, وهذا الجزاء ليس أمرا سهلا ذلك أن الفاسق يفقد بذلك شخصيته